سيريا مونيتور،دمشق
بعد سقوط نظام بشار الأسد وفراره إلى موسكو عبر قاعدة حميميم في كانون الأول الماضي، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين دمشق وموسكو، حيث تخوض الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع مفاوضات دقيقة لإعادة ترتيب التفاهمات بين البلدين، خصوصًا فيما يتعلق بالوجود العسكري الروسي في سوريا.
وتُعد القواعد العسكرية الروسية في سوريا، وأبرزها قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، نقطة ارتكاز مهمة لموسكو في الشرق الأوسط، وهو ما يدفعها إلى السعي للحفاظ عليها تحت أي ظرف. ومع ذلك، تسعى الحكومة السورية الحالية إلى إعادة التفاوض على العقود المبرمة في عهد الأسد، والتي منحت روسيا امتيازات طويلة الأمد، من بينها عقد إيجار لمدة 49 عامًا لقاعدة طرطوس واتفاق غير محدد المدة لقاعدة حميميم.
ووفق مصادر دبلوماسية، فإن دمشق لا ترغب في إنهاء الوجود الروسي بالكامل، لكنها تسعى للحصول على دعم دبلوماسي وتعويضات مالية من موسكو مقابل استمرار الترتيبات العسكرية القائمة.
ملف الأسد والديون السورية: نقاط تفاوض شائكة
أحد أبرز الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات هو مصير الديون السورية لموسكو، حيث تسعى دمشق إلى إلغاء الالتزامات المالية التي أُبرمت في عهد الأسد، والتي يُقدّر حجمها بين 20 و23 مليار دولار. كما طرحت الإدارة السورية الجديدة مسألة الأموال المودعة في روسيا، والتي يعتقد أنها تعود للنظام السابق. ومع ذلك، نفى الوفد الروسي وجود أي أموال سورية محتجزة لديه.
أما بخصوص تسليم الأسد، فقد أكدت موسكو أنها لا تعتزم اتخاذ هذه الخطوة، مشيرة إلى أنه لم يُطلب منها رسميًا ذلك من قبل الحكومة السورية الجديدة.
منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة، لم يُبدِ اهتمامًا كبيرًا بسوريا، لكنه أشار إلى أن خروج الأسد قد يكون فرصة لوقف النفوذ الروسي والإيراني في البلاد. من جهة أخرى، ترى إسرائيل في استمرار الوجود الروسي عاملًا يحدّ من توسع النفوذ التركي، ما يجعل الموقف الإسرائيلي من القواعد الروسية متباينًا.
تطالب الحكومة السورية الجديدة بتعويضات عن الدمار الذي خلفته الحرب، حيث تُقدّر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) كلفة إعادة الإعمار بنحو 400 مليار دولار. إلا أن موسكو من غير المرجح أن تتحمل المسؤولية المباشرة، لكنها قد تقدم مساعدات إنسانية بدلاً من ذلك.
في ظل هذه التطورات، يبدو أن مستقبل العلاقة بين دمشق وموسكو يتجه نحو إعادة التفاوض بدلاً من القطيعة. فبينما تسعى سوريا إلى استعادة سيادتها على القرار العسكري والاقتصادي، تحاول روسيا الحفاظ على نفوذها الاستراتيجي في المنطقة. ويبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه المفاوضات ستقود إلى تفاهم جديد بين الطرفين، أم أنها ستفتح الباب أمام توترات جديدة قد تغير خريطة التحالفات في الشرق الأوسط.