مطبوخ الأرمن… التقويم الفلكي الأرمني قديماً

إعداد: فريق سوريا مونيتور

تتضمّن الروزنامة الأرمنية القديمة أياماً ومناسبات فلكية ذات طابع رمزي وثقافي، من أبرزها ما يُعرف باسم “مطبوخ الأرمن”، وهو حدث سنوي يرتبط بدورة الشمس وبداية مرحلة جديدة من السنة الزراعية عند الأرمن القدماء.
ورغم أنه يُعرف شعبياً بصفته مناسبة دينية أو اجتماعية اليوم، إلا أن جذوره أقدم بكثير، وتعود إلى نظام الحساب الزمني الفلكي الذي اعتمده الأرمن منذ القرن الخامس قبل الميلاد.

جذور فلكية لا طهوية

يُذكر “مطبوخ الأرمن” في المصادر التاريخية القديمة كأحد الأيام الانتقالية في السنة الشمسية الأرمنية، إذ يصادف عادة في اليوم 14 من شهر “ميهكان” (Mehekan) بحسب التقويم الأرمني القديم، أي ما يقارب نهاية شهر كانون الثاني أو بداية شباط في التقويم الميلادي الحديث.

هذا اليوم كان يُعتبر في الموروث الأرمني نقطة تحوّل فلكية، إذ يرمز إلى نهاية أقصر أيام السنة وبداية عودة الضوء تدريجياً.
ولهذا كان الأرمن القدماء يحتفلون به بطقوس النار والطعام والقمح، كرمز لعودة الحياة والنور إلى الأرض بعد فترة الظلمة الشتوية.

معنى الاسم والرمز

الاسم الشعبي “مطبوخ الأرمن” لا يشير إلى الطعام بحد ذاته فقط، بل هو استعارة رمزية عن “نضج الأرض” وبدء دورتها الجديدة”.
ففي المفهوم الزراعي القديم، كانت الأرض تُشبَّه بقدرٍ يُطهى فيه الموسم الجديد، وتُقدَّم القرابين من الحبوب والنبيذ والنار تكريماً للشمس.
هذا الارتباط الوثيق بين الفلك والزراعة شكّل جوهر التقويم الأرمني، الذي بُني على السنة الشمسية (365 يوماً و6 ساعات)، مقسّمة إلى 12 شهراً من 30 يوماً، مع خمسة أيام احتفالية تُضاف في نهاية كل عام.

من الفلك إلى الموروث الشعبي

مع دخول المسيحية إلى أرمينيا عام 301م، تحوّلت بعض الطقوس الفلكية والزراعية القديمة إلى احتفالات اجتماعية ودينية.
فأصبح “مطبوخ الأرمن” مناسبة يُطهى فيها طعام جماعي – كما هو الحال اليوم – لكن الأصل كان فلكياً بامتياز.
يُشار أيضاً إلى أن هذا اليوم يُعدّ فاتحة الصوم الكبير في الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، مما زاد ارتباطه بالرمزية الروحية والنورانية.

التقويم الأرمني… دقة فلكية مبكرة

من اللافت أن التقويم الأرمني اعتمد منذ بدايته على حسابات فلكية دقيقة مرتبطة بدورة الشمس والنجوم، دون الاعتماد على القمر كما في التقويمات الشرقية الأخرى.
وكانت أيام مثل “مطبوخ الأرمن” تُحدَّد بناءً على الموقع الفلكي للشمس في برج الدلو (Aquarius)، وهو ما يفسر تكرار المناسبة في نفس الفترة تقريباً من كل عام، رغم تغيّر التواريخ الميلادية.

بين التراث والعلم

اليوم، يحتفل الأرمن بـ“مطبوخهم” كمناسبة روحية واجتماعية، بينما يغيب عن أذهان كثيرين أن هذا اليوم كان في الأصل يوماً فلكياً مقدساً يرمز لعودة النور، وتجدد الدورة الطبيعية للحياة.
بهذا، يجمع “مطبوخ الأرمن” بين العلم والتراث، وبين السماء والأرض — في مشهدٍ يذكّر بأن الزمن عند الإنسان القديم لم يكن مجرد تواريخ، بل كان لغة رمزية تربط الفلك بالروح والطبيعة.

Read Previous

داعش يعلن تنفيذ 38 هجومًا ضد “قسد” خلال 70 يومًا

Read Next

السفير الكندي في سوريا يقدم أوراق اعتماده إلى الوزير أسعد الشيباني

Most Popular