سيريا مونيتور – نادر دبو
درعا – دمشق: مع حلول عيد الفطر السعيد، لم تعد أسواق الملابس الجديدة الوجهة الأولى للأهالي في درعا ودمشق، بل تحولت الأنظار نحو الملابس الأوروبية المستعملة (البالة) التي غزت الأسواق الشعبية وحتى الأرصفة. فقد بات شراء الملابس الجديدة ترفًا لا يستطيع معظم السوريين تحمله، مما دفعهم للجوء إلى الملابس المستعملة التي توفر لهم الجودة والسعر المناسب.
إقبال متزايد علىالبالة بديلاً عن الملابس الجديدة
في السنوات الماضية، كانت الأسواق تعجّ بالمتسوقين الباحثين عن ملابس العيد الجديدة، لكن اليوم، ومع ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، تغيّرت المعادلة، وأصبحت أسواق البالة الوجهة الأكثر شعبية.
وأشار أبو خالد، أحد المتسوقين في سوق البالة بدرعا، في حديثه لمراسل سيريا مونيتور، إلى أن الأسعار المرتفعة أجبرته على التوجه نحو الملابس المستعملة، قائلاً:
“العيد لا يكتمل دون ملابس جديدة للأطفال، لكن الأسعار في المحلات باتت مرتفعة جدًا، لذا نضطر لشراء الملابس الأوروبية المستعملة لأنها أرخص وأجود من المنتجات المحلية.”
وأضاف: “في البالة، تجد كنزات بجودة أفضل بكثير من الجديد الوطني، وبأسعار أرخص. الكنزة الوطنية الجديدة يتراوح سعرها بين 100 ألف و125 ألف ليرة، بينما الكنزة شبه الجديدة في البالة سعرها 20 ألف ليرة فقط، وهذا ما دفعني للشراء من البالة.”
لكنه نوه إلى مشكلة تواجه المتسوقين في هذه الأسواق، حيث أوضح: “المشكلة أنه ليس دائمًا تجد ما تبحث عنه في البالة، فموضوع القياس أحيانًا يكون عائقًا، مما يضطرني في بعض الحالات إلى شراء ملابس جديدة رغم غلاء الأسعار.”
ارتفاع الأسعار رغم انخفاض الدولار
ورغم انخفاض سعر صرف الدولار في الفترة الأخيرة، إلا أن أسعار الملابس الجديدة لا تزال مرتفعة مقارنة بالعام الماضي، ما زاد من صعوبة شراء ملابس العيد بالنسبة للكثير من العائلات.
وأردف أحمد الزعبي، أحد تجار الملابس المستعملة في دمشق، في تصريح لمراسل سيريا مونيتور، قائلاً:
“كثير من الناس يعتقدون أن انخفاض الدولار يعني انخفاض الأسعار، لكن الحقيقة أن الأسعار لا تزال في تصاعد، خصوصًا مع ارتفاع تكاليف التشغيل والنقل، ما جعل الملابس المستعملة الحل الوحيد المتاح أمام معظم الأسر.”
انتشار واسع لبسطات الملابس المستعملة
لم يعد بيع الملابس المستعملة يقتصر على الأسواق التقليدية، بل انتشرت بسطات البالة بشكل كبير في أغلب شوارع محافظة درعا، وكذلك في دمشق، حيث أصبح من الشائع رؤية الأرصفة مغطاة بأكوام الملابس المستعملة، التي تجذب المارة بأسعارها المغرية.
اب لثلاثة أطفال يقول لمراسل سيريا مونيتور
من جهته، نوه شادي العمارين، وهو أب لثلاثة أطفال من ريف درعا الغربي، في حديثه مع سيريا مونيتور، إلى معاناة العائلات مع ارتفاع الأسعار، قائلاً:
“في السابق، كنا نستطيع شراء ملابس جديدة لأطفالنا كل عيد، أما اليوم، فقد أصبحت الأسعار تفوق قدرتنا. راتبي بالكاد يكفي للطعام والضروريات الأساسية، لذا لا خيار أمامي سوى اللجوء إلى أسواق البالة. على الأقل، أستطيع شراء ملابس جيدة لأطفالي بأسعار معقولة، وإدخال الفرحة إلى قلوبهم في العيد.”
وأضاف العمارين: “السنة الماضية، كان سعر طقم الولد الصغير 250 ألف ليرة، أي ما يعادل 25 دولارًا، أما اليوم، فقد ارتفع إلى 350 ألف ليرة، أي ما يقارب 40 دولارًا، رغم أن الدخل لم يتحسن، بل زادت الأعباء علينا أكثر.
شهدت أسواق الملابس تحولات كبيرة بعد سقوط النظام في سوريا، حيث أدت الأزمات الاقتصادية والانهيار المستمر في قيمة الليرة إلى تضاعف الأسعار، ما جعل شراء الملابس الجديدة أمرًا شبه مستحيل لكثير من الأسر. في المقابل، ازدهرت تجارة الملابس الأوروبية المستعملة، التي باتت مصدرًا رئيسيًا لتلبية احتياجات الناس.
مع استمرار الأزمة الاقتصادية وغياب أي مؤشرات على تحسن القدرة الشرائية، يبدو أن انتشار أسواق البالة سيستمر، ليس فقط خلال الأعياد، ولكن على مدار العام. وبينما يتمنى الأهالي أن تعود الأسواق إلى سابق عهدها، تبقى الملابس المستعملة حلًا عمليًا فرضته الظروف الصعبة، في انتظار تحسن الأوضاع الاقتصادية.