انتقد فريق “منسقو استجابة سوريا” بشدة الأرقام التي عُرضت في جلسة مجلس الأمن الدولي يوم أمس حول الوضع الإنساني في سوريا، معتبراً أنها تحتوي على مغالطات كبيرة تحتاج إلى مراجعة دقيقة.
وذكر الفريق في بيان له أن إحاطة قسم الشؤون الإنسانية ركزت على ثلاث قضايا، وهي التأثير الإنساني المستمر على سوريا الناجم عن تصاعد الصراع الإقليمي، والتأثير المتراكم على الاحتياجات الإنسانية والضغوط القائمة، والحاجة المتزايدة إلى التمويل الإنساني والعمل بطرق تزيد الموارد.
وفي ضوء الإحاطة الأخيرة المقدمة لمجلس الأمن الدولي حول الوضع الإنساني في سوريا، لوحظت العديد من النقاط الأساسية الواجب تصحيحها وتوجيه الانتباه نحو الأسباب الحقيقية لتفاقم الأزمة الإنسانية، بحسب الفريق.
وطالب البيان بمراجعة الأرقام المبالغ فيها المتعلقة بالنازحين، إذ إن الحديث عن تسجيل دخول أكثر من 540,000 شخص من لبنان إلى سوريا منذ أيلول الماضي يفتقر إلى الدقة ويعتمد على تقديرات غير موثوقة. وتحتاج هذه الأرقام إلى تحقيق مستقل يعتمد على بيانات ميدانية موثوقة، وخاصة الأرقام التي تتحدث عن توجه أكثر من 100 ألف نازح إلى مناطق سيطرة “قسد”، وهو رقم وهمي، إذ لا يتجاوز عدد الوافدين إلى تلك المنطقة أكثر من 21 ألف نازح، أما في مناطق الشمال الغربي فقد تجاوز العدد أكثر من 9,000 نازح دخلوا إلى المنطقة، وفق الفريق.
وأضاف أن التصعيد العسكري الذي تقوده قوات النظام السوري بدعم مباشر من روسيا، بما في ذلك الغارات الجوية العشوائية على المناطق الحدودية والبنية التحتية المدنية، هو السبب الأساسي وراء تفاقم الأزمة الإنسانية من خلال استهداف المدنيين والمنشآت الحيوية. فقد سُجلت في مناطق الشمال الغربي منذ مطلع العام الحالي أكثر من 3,844 استهدافاً، بينها 96 غارة جوية من الطيران الحربي الروسي، إضافة إلى مئات الطائرات المسيّرة الانتحارية، وهو ما يظهر نهجاً يعرقل وصول المساعدات ويزيد من معاناة السكان المدنيين.
وعلى الرغم من تمديد استخدام معبري باب السلامة والراعي لتسهيل إدخال المساعدات، فإن قدرتهما لا تلبي احتياجات ملايين الأشخاص في شمال غربي سوريا.
ومنذ بداية العام الحالي لم يدخل عبر المعبرين سوى 47 شاحنة فقط، جميعها من معبر باب السلامة، في حين بقي معبر الراعي مفتوحاً من دون دخول المساعدات من خلاله.
وقال الفريق: “الملفت للنظر هو الترحيب الدائم من قبل المجتمع الدولي بجهود النظام السوري في افتتاح تلك المعابر، على الرغم من عدم سيطرته عليها، وليس لديه أي قدرة على اتخاذ القرار بشأنها، ولا تُصنف تلك العبارات الترحيبية إلا ضمن شرعنة النظام السوري فقط والاعتراف به بشكل دوري”.
وأضاف أن “هناك ارتفاعاً حاداً في أعداد المحتاجين للمساعدة شمال غربي سوريا، وخاصة مع وصول عدد المحتاجين للمساعدة إلى أكثر من 4.5 ملايين شخص، بما في ذلك أكثر من مليوني نازح يعيشون في خيام ومساكن غير صالحة للسكن، يواجهون مخاطر إضافية مع دخول فصل الشتاء ونقص المساعدات”.
وضمن الاستجابة الشتوية للقاطنين في الشمال الغربي للبلاد لم يتم تأمين أكثر من 21% من إجمالي الاحتياجات المطلوبة، الأمر الذي يظهر العجز المتراكم خلال عقد كامل من الأزمة الإنسانية في سوريا عامةً ومناطق الشمال الغربي على وجه الخصوص.
استجابة دون المستوى
ورغم المناشدات المستمرة، لا تزال استجابة الدول المانحة دون المستوى المطلوب، وخاصة أن خطة التمويل الأساسية لم تبلغ نسبة الاستجابة أكثر من 28%، وهي أدنى استجابة مسجلة منذ ستة أعوام، في حين أن الاستجابة لحركة النزوح من لبنان لم تتجاوز 17% فقط، الأمر الذي يزيد من هشاشة الأوضاع ويعيق توفير الاحتياجات الأساسية للسكان المتضررين، خاصة في قطاعات الغذاء والصحة والتعليم، وفق الفريق.
وشدد الفريق على ضرورة الضغط الدولي لوقف التصعيد العسكري الذي يستهدف المدنيين والبنية التحتية، ودعم آليات تحقيق مستقل لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ضد المدنيين وعرقلة جهود الإغاثة.
وأكد أيضاً على ضرورة زيادة الاستثمارات في حلول مستدامة كإعادة تأهيل البنية التحتية وتعزيز القطاعات الحيوية مثل الزراعة والتعليم، بما يضمن بناء قدرة المجتمعات على الصمود، مشدداً على أن الأزمة الإنسانية في سوريا هي نتيجة مباشرة لفشل الحلول السياسية خلال العقد الماضي، والتي يتحمل مسؤوليتها بشكل كامل النظام السوري وحلفاؤه من روسيا وإيران.
وختم الفريق بالإشارة إلى أن الحلول المؤقتة والاستجابات المجتزأة لن تكون كافية لمعالجة الوضع في سوريا، مضيفاً أن هناك حاجة ماسة إلى تعاون دولي شامل ومتكامل يعالج الأسباب الجذرية للأزمة، والتي يعتبر النظام السوري أبرزها، ويضع حياة وكرامة الشعب السوري في مقدمة الأولويات بعيداً عن المصالح السياسية الضيقة.