من الذي فتح باب العرب أمام هيمنة إيران؟

بقلم : عبد الناصر القادري

من كان يعلم أنه بعد 15 عاماً من النفي سيعود ذلك الرجل الكهل إلى طهران ليقود الجموع الإيرانية ويضعها تحت عباءته، منهياً سنوات من الحشد والنضال للشباب والتيارات والحركات المتنوعة ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي، مؤسساً لجمهورية ليس لها شبيه في أنظمة الحكم عالمياً، مزيج من الديمقراطية والثيوقراطية تحمل اسم “الجمهورية الإسلامية في إيران”.

كان الخميني على صلة قوية بالرئيس العراقي السابق صدام حسين قبل أن ينقلب عليه الأخير، وعلى الضفة الأخرى لديه صلة قوية مع رئيس النظام السوري حافظ الأسد، علاقات معقدة وشائكة مع أبرز شخصيتين يتنافسان على شرقي العالم العربي ويقودان جناحي حزب البعث في العراق وسوريا.

تلك العلاقات على ما فيها من حروب وتحالفات فيما بعد مهدت لانطلاق النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وسمحت لطهران بالوصول إلى مياه البحر المتوسط وتعظيم نفوذها في لبنان الذي كان حديقة خلفية للنظام السوري، فأسست حزب الله وبدأت المواجهة به.

الخميني والشاه

في عام 1964، اعتقل نظام الشاه، “الإمام” آية الله الخميني وأرسله إلى تركيا التي كانت تحت حكم علماني عسكري صارم، ونقل من أنقرة إلى بورصة فمنع من ارتداء الثوب المشيخي والعمامة وخضع لمراقبة مشددة، بعد 9 أشهر انتقل إلى النجف بالعراق ونال حظوة كبيرة.

في مدينة خمين إحدى محافظات مركزي الإيرانية ولد روح الله بن مصطفى الموسوي الخميني لعائلة من أصول هندية، عام 1902، قتل والده اغتيالاً وهو ابن خمسة أشهر، ما كان له تأثير بالغ على حياته فيما بعد، فنشأ يتيماً في كنف أمه وعمته ودرس على يديهما الفقه والدين، ثم التحق بحوزة “قم” ثاني أهم مدرسة دينية شيعية في العالم بعد حوزة “النجف” بالعراق.

كان للخميني موقفاً صلباً من الإقطاعيين ونظام الشاه في شبابه، وزاد ذلك في أربعينياته مع تأثره بكتابات سيد قطب الثورية، والتي تجلت بشكل واضح في كتابه “الحكومة الإسلامية” التي ينظّر فيها لولاية الفقيه، خصوصاً أن أبرز تلامذة الخميني هم من نقلوا كتب سيد قطب للفارسية وفي مقدمتهم علي خامنئي (خليفة الخميني وولي الفقيه الحالي) وهادي خسروشاهي أحد قيادات الثورة الإيرانية وغيرهم.

شهرة الخميني بين الإيرانين اتسعت مشاركته ضد ما عرف بـ “الثورة البيضاء” التي قادها الشاه للإصلاح السياسي في البلاد، حيث اعتقلت قواته الخميني وبقي في الإقامة الجبرية لثمانية أشهر قبل أن ينفى خارج إيران إلى تركيا عام 1964.

صدام حسين يغدق على الخميني

دعم عراق البعث الخميني، وهو مقيم بالنجف، يستقبل أتباعه ويلقي دروسه عن “ولاية الفقيه” والثورة ضد الشاه، وخصصت له الحكومة العراقية إذاعة بالفارسية تبث أفكاره موجهة إلى داخل إيران.

لم يقتصر الدعم على ترويج الخميني لنظرياته الفقهية والسياسية والسماح له بإلقاء الدروس اليومية بالحوزات، بل وصل إلى التدريب العسكري بإشراف “يزدي زاده”، كما منحت بغداد جوازات وتسهيلات سفر لعدد من مرافقي وتلامذة الخميني، ومواقف أخرى لا تقل أهمية، بحسب ما ذكرى موسى الموسوي في كتابه “الثورة البائسة”.

بقي الخميني في العراق قرابة 13 عاماً، وحظي بدلال كبير جداً من قبل البعثيين، وخاصة صدام حسين نائب الرئيس (حينها) والذي كان يتمتع بسلطة كبيرة فيما يخص بعض الملفات الأمنية والخارجية منها إشرافه المباشر على ملف الخميني وإيران.

لم يكن موقف المرجعيات الشيعية في النجف مؤيداً للخميني الذي كان على صلة قوية بالحكومة العراقية، خصوصاً أنه كان يستقبل العديد من الوزراء والقيادات البعثية ويشكرهم على موقفهم تجاهه، حتى إن بعض علماء النجف وصفوه بـ “الجاسوس” لصالح السلطات العراقية.

كانت العلاقات الإيرانية العراقية قد تحسنت بعد اتفاق الجزائر عام 1975 لترسيم الحدود بين البلدين، والتي وقعها كل من الشاه وصدام حسين. بعد 3 سنوات بدأت الاحتجاجات الطلابية ضد النظام في إيران عام 1978، وطلب الشاه من صدام حسين طرد الخميني من العراق، كان “الإمام الإيراني” بالسنوات الأخيرة يخضع لرقابة مشددة من المخابرات العراقية، إلا أن صدام حسين استجاب لذلك، في واحد من أكثر المواقف سوءاً للتقدير تاريخياً، بخسارة الرجل الذي تحول من الحليف إلى ألد الأعداء وواجه صدام في واحدة من أطول حروب المنطقة.

بُلغ الخميني بالقرار فحزم أمتعته وانطلق باتجاه الأراضي الكويتية، إلا أنه منع من الدخول فطلب العودة لبغداد فسمح له ومنها غادر إلى فرنسا.

يوم فضل الخميني باريس على دمشق

عَلِمَ حافظ الأسد بقرار صدام حسين في إبعاد الخميني من العراق، فأرسل إليه فوراً عرضاً للإقامة في دمشق، لكن الإمام الإيراني رفض الدعوة أو اعتذر عنها، وفضّل الذهاب إلى فرنسا التي لم تكن يومها تفرض تأشيرة دخول على الإيرانيين.

لم يكن الخميني يثق بحافظ الأسد بشكل كبير، وربما لو قبل الذهاب إلى دمشق لبقي فيها حتى وفاته، فسوريا كانت تحت حكم نظام أمني شرس، الحريات فيها معدومة، وقد جرب ما يشبهها في العراق بعيد سيطرة البعثيين على السلطة.

كان مكتب الخميني ومرافقيه قد رفض عرض حافظ الأسد من دون التفكير فيه، فالانتقال من النجف إلى السيدة زينب جنوبي دمشق قد يحول من دون متابعة سير الاحتجاجات في طهران، إلى جانب خشية الخميني من تسلل عملاء جهاز المخابرات الإيراني “السافاك” لاغتياله بدمشق كما حصل مع نجله مصطفى الذي يرجح أنه قتل على يد عملاء السافاك عام 1977 ودفن داخل ضريح الصحابي الجليل علي بن أبي طالب باستثناء من صدام حسين.

ولا بد من الإشارة إلى أنه في عام 1975، زار حافظ الأسد وزوجته أنيسة مخلوف شاه طهران في زيارة عائلية، تحدثت بها الصحف ووسائل الإعلام لعدة أيام.

كما أنه من الممكن أن تكون قراءة الخميني لأحداث تدخل حافظ الأسد في الحرب الأهلية اللبنانية (1975)، ووقوف قواته إلى جانب الموارنة المسيحيين ضد المسلمين اللبنانيين والفلسطينيين قد يحمل ما يثير الريبة والقلق.

كانت الحكومة الفرنسية على علاقة وثيقة مع نظام الشاه حليف الولايات المتحدة والمعترف بـ “إسرائيل”، ومع ذلك قبلت دخول الخميني إلى أراضيها، مع إبدائها بعض التحفظ على بقائه في باريس بسبب الجلبة التي أحدثها الصحفيون أمام مقر إقامته، فانتقل إلى قرية “نوفل لو شاتو”.

تقريباً لم يكن أحد – سوى الفرنسيين – يعرف اسم تلك القرية التي تبعد عن باريس أقل من ساعة واحدة بالسيارة، كان سكان القرية الوادعة منشغلين بصناعة مشروب “الكونياك”، وأكثر حديث يمكن أن يؤرق بالهم هو انقطاع الطرقات بسبب تراكم الثلوج لأيام، أو التجهيزات لعطلة عيد الميلاد، وإذا بواحد من أشهر الأئمة الشيعة شهرة في العالم يحط رحاله بينهم ويأت معه بآلاف الصحفيين والطلاب والزوار أيضاً، ومنها سيعود ليغير وجه المنطقة ويبدأ بحروبه وتصدير ثورته إلى أنحاء المعمورة.

تكفل تجار البازار الإيراني الذين أقاموا تحالفاً وثيقاً مع رجال الدين بتكاليف إقامة الخميني في العراق وفي فرنسا، ثم حجزوا طائرة الخطوط الجوية الفرنسية بالكامل تقريباً، ودفعوا مبالغ كبيرة لتأمين الطائرة التي حملت أكثر شخصية شعبية وجماهيرية في ذلك العام.

في كانون الثاني 1979 فر شاه إيران تاركاً خلفه البلاد تحت قبضة الثائرين الذين ملؤوا الشوارع والساحات، فأصبح الطريق ممهداً أمام عودة الخميني إلى الوطن. الصحفي البريطاني جون سمبسون كان على متن الطائرة التي حملت الخميني من باريس إلى طهران، خلال الرحلة قال أحد رجال الخميني إن سلاح الجو الإيراني، الذي كان ما زال موالياً للشاه، يخطط لإسقاط الطائرة فور دخولها المجال الجوي لإيران. كان الصحفيون على متن الطائرة قلقين، لكن الناشطين الثوريين، الذين احتلوا معظم المقاعد، هتفوا بحماس “مرحبين بالشهادة”.

بالطبع وصلت الطائرة بعد ساعات من الطيران في الجو والتفاوض، واستقبل الخميني استقبالاً قل نظيره في العالم، ليبدأ مشواراً جديداً في تأسيس دولة بنيت على مبدأ “ولاية الفقيه” التي نظر لها الخميني لعقود طويلة.

ورغم المشاركة الواسعة لجميع التيارات اليسارية والإسلامية والحركات الطلابية الإيرانية في الثورة الجماهيرية، كان الفوز من نصيب الخميني وأتباعه الذين استبعدوا الجميع وحصروا السلطة في أيديهم.

ضد الإسلاميين في سوريا معهم في إيران

كانت أنظمة الحكم في العالم العربي تقف على قدم واحدة بعد نجاح “الثورة الإسلامية” في إيران، فقد تأثرت كثير من الحركات اليسارية والإسلامية بها، وكانت سبباً لتحركات واحتجاجات قمعتها أنظمة الحكم بقسوة، خصوصاً أن نتائج الثورة الإيرانية الحاسمة في إسقاط نظام الشاه الموالي للغرب قد أشعلت الحماسة في قلوب كثيرين، قبل أن تشرع تلك الدولة في تشكيل ميليشياتها الطائفية التي عاثت فساداً بالعالم العربي.

وفي السبعينيات أخذت المواجهات بين حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين اتجاهات أكثر عنفاً، في الوقت الذي كانت رياح التغيير في إيران قد هبت لصالح الثورة الإيرانية محققة النجاح، وكان لها تأثير معنوي كبير ليس على الإسلاميين فقط بل حتى على الأحزاب والحركات القومية واليسارية المعارضة للنظام السوري، وبالتالي كان حافظ الأسد متابعاً حذراً وهمه الأساس هو حماية النظام وترسيخ أركان حكمه بأي طريقة.

بعد ذلك وفي مطلع الثمانينيات ارتكب النظام مجازر وجرائم إبادة ضد عدد من المدن السورية وعلى رأسها حماة وحلب وإدلب، في سياق محاولة قمعه الإسلاميين قمعاً وحشياً للتخلص منهم بشكل كامل، وصلت إلى حد الملاحقة خارج البلاد، بدعم من الخبرات الإيرانية.

كان العراق وسوريا في ذلك الوقت عدوين بسبب الانشقاقات الحزبية في البعث، والمنافسات الجيوسياسية، والعداوات الشخصية بين القادة. كان هناك نزاع حول مسائل اقتصادية، وتقاسم مياه الفرات، وخطوط النفط. حافظ الأسد كان يسيطر على خط أنابيب يعبر الأراضي السورية، مما أثار استياء صدام. وعلى مر السنين، استضاف كلا البلدين المعارضين المنفيين من البلد الآخر. ورغم أن البعثيين في كلا البلدين كانوا على صلة نسبية ببعضهم البعض، إلا أن عدم الثقة بينهم كانت هي القاعدة.

بدأت أولى علاقات حافظ الأسد مع الخميني من خلال رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان موسى الصدر الذي لا يعرف على وجه الدقة كيف التقت طرقه مع رئيس النظام السوري الأب، وفق ما ذكر الباحث عبد الرحمن الحاج في كاتبه “البعث الشيعي”، إلا أن الصلة توثقت بشكل كبير بعد الفتوى التي أصدرها في تموز 1973 والتي تقول: “إن العلويين مسلمون، وهم طائفة من الشيعة”، بما خدم حافظ الأسد خلال كتابته للدستور السوري عام 1973 والذي ينص على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام.

تدريب الحرس الثوري في سوريا

وفي لحظة طرد الخميني بادر حافظ الأسد ودعاه لدمشق، بعد سنوات من بدء العلاقة بين الجانبين، وبدء الدعم السري لجماعته عبر تدريب نواة الحرس الثوري، وحافظ الأسد هنا بحسب باتريك سيل لم يكن يريد أن يكون محصوراً بين عدوين منتصرين إسرائيل من طرف وصدام حسين من طرف آخر، فقرر دعم الخميني بشتى الوسائل الممكنة، لعله يتخلص من صدام حسين.

ورغم أن شاه إيران أعطى حافظ الأسد قرضاً بقيمة 150 مليون دولار بعد وقت قصير من حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، بحسب كتاب “حافظ الأسد.. بين الحقيقة والأسطورة” للسفير المصري السابق في سوريا مصطفى عبد العزيز مرسي، إلا أن حافظ الأسد كان يمد يد العون لقوات الخميني سراً.

ساعد حافظ الأسد عدداً من المقربين من الخميني بالتعاون مع موسى الصدر مثل: إبراهيم يزدي، ومصطفى شعران وصادق قطب زاده فأعطى – على سبيل المثال – قطب زاده جواز سفر سورياً مكنه من القيام بنشاط معاد لنظام الشاه تحت مظلة العمل كمراسل صحفي في باريس لجريدة الثورة السورية، ومعظم من ورد ذكرهم أصبحوا وزراء وقيادات في الجمهورية الإيرانية بعد نجاح الثورة.

وفي خضم مباحثات “كامب ديفيد” اختفى موسى الصدر بشكل غامض خلال زيارته إلى ليبيا في عام 1978، أرسل الخميني رسالة إلى حافظ الأسد طالبه فيها بمناقشة مسألة الصدر مع الدول العربية.

أصوات أخرى تقول إن الخميني نفسه قد يكون متورطاً في التخلص من الصدر الذي كان على اتصال سري مع الشاه لأن الأخير “أراد من الصدر العودة إلى إيران لإحباط طموحات الخميني قبل الثورة. ولو نجح ذلك لتغير كل شيء”، بحسب ما ورد في كتاب “سقوط السماء: البهلويون والأيام الأخيرة لإيران الإمبراطورية” للكاتب أندرو سكوت كوبر.

وقد تؤيد المعلومة الأخيرة أن إيران قد أسست حزب الله الموالي مطلقاً لها في مقابل حركة أمل (المدعومة من النظام السوري) والتي أسسها الصدر كجناح مسلح لحركة المحرومين عام 1974، وخاض الطرفان حروباً دموية في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية فيما كان يُعرف بـ “حرب الإخوة (1988 – 1990)، خسرت فيها “أمل” عدداً كبيراً من عناصرها.

أول دولة عربية تعترف بجمهورية الخميني

كانت سوريا بقيادة حافظ الأسد أول دولة عربياً تعترف بجمهورية الخميني والثالثة عالمياً بعد الاتحاد السوفييتي وباكستان، في خطوة سياسية بارزة لعقد تحالف مع النظام الجديد في إيران، وسرعان ما أرسل حافظ الأسد برقية تهنئة حارة، وبعد أسابيع أرسل وزير إعلامه أحمد اسكندر أحمد بنسخة من القرآن مزخرفة، ثم زار وزير خارجيته عبد الحليم خدام طهران في آب عام 1979 وأعلن بشيء من المبالغة والغلو أن “الثورة الإيرانية هي أعظم حدث في تاريخنا المعاصر”، وافتخر بأن “سوريا قد دعمتها قبل قيامها وفي أثناء اندلاعها وبعد انتصارها”.

ورغم كل تلك العلاقة التي أخذت منحى أبعد من المتوقع فيما بعد، لم يلتق حافظ الأسد بالخميني ولا مرة واحدة، وزار إيران للمرة الأولى بعد نجاح الثورة عام 1990 إثر نهاية الحرب مع العراق.

ويرى السفير المصري مصطفى مرسي أن منطق إيران بالتحالف مع حافظ الأسد كان “توفير منصة للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية عبر سوريا”، مشيراً إلى أن “الرابط الطائفي كان الأقوى في النهاية” لفهم التحالف بين إيران وحافظ الأسد.

ويعتقد الدبلوماسي الذي كان شاهداً على العديد من الأحداث في تلك المرحلة بسوريا، أن نظام ولاية الفقيه يشبه نظام حافظ الأسد. فالنظام الإيراني هو “نظام استبدادي شعبوي”، وحافظ الأسد بدوره أسس نظاماً مشابهاً له. النظامان شموليان. والتشابه بينهما “مهد الطريق لقرار تعزيز الروابط بين البلدين”، خاصة أن سلطة النظام الإيراني في يد الولي الفقيه، كما أن السلطة في يد حافظ الأسد وحده.

في حين يعتقد باتريك سيل أن بعث العراق خشي من التغير الكبير الذي حصل في إيران، حكم ديني شيعي، ومرجعية مجوسية، تتحدث عن تصدير الثورة إلى العراق، وهذا خطر يجب مواجهته وتدميره، في مقابل دعم أميركي وخليجي كبير.

في المقابل، وجد حافظ الأسد في طهران شريكاً استراتيجياً جديداً في سعيه لتطويق إسرائيل. لذلك، تبنّى سياسة رفض “الحرب العبثية” وأعلن معارضته لما اعتبره “عدوانية صدام حسين”، في مخالفة مباشرة من حافظ الأسد لما عُرف وقتها بالإجماع العربي الداعم لحارس البوابة الشرقية للعرب أمام التمدد الإيراني.

اندلعت الحرب الإيرانية العراقية عام 1980، وقف النظام السوري إلى جانب طهران ومدها بالسلاح والصواريخ والخبرات العسكرية وبات حافظ الأسد حليفاً سياسياً مهماً لنظام إيران الفتيّ، حتى أصبحت دمشق في معزل عن العالم العربي مع قرار النظام السوري الوقوف مع صدام حسين حينها الذي كان ينال دعماً خليجياً كبيراً ضد إيران باعتباره حارس البوابة الشرقية للعالم العربي.

في المقابل تحدثت كثير من التقارير عن الدور الذي لعبته إسرائيل في دعم إيران في الحرب ضد صدام حسين، منها صفقة سلاح تقدر بـ نصف مليار دولار في الفترة بين عامي 1981 -1983، وفق ما ذكره معهد جيف للدراسات الاستراتيجية، ودفع ثمن تلك الأسلحة من النفط الإيراني الذي كان يصل عبر وسطاء إلى الاحتلال الإسرائيلي.

كما استهدفت “إسرائيل” أيضاً مفاعل أوزيراك النووي في العراق عام 1981، الأمر الذي بدا وكأنه مساهمة إسرائيلية واضحة في إضعاف نظام صدام في ذلك الوقت لصالح تعاظم قوة إيران، وهو ما ينفيه الإيرانيون بطبيعة الحال.

في المحصلة، كان حافظ الأسد سبباً في وصول إيران لمياه البحر الأبيض المتوسط بكل سهولة ويسر، ورغم أنه حجّم النفوذ الإيراني داخل سوريا ضمن حدود الحليف الاستراتيجي، فلم يسمح لها بنشر التشيع وبناء الحوزات إلا بالقدر المضبوط لعدم تثوير الشارع المسلم ضده، إلا أن ثمن هذا التحالف كان باهظاً أيضاً من خلال تأسيس الحرس الثوري الإيراني لحزب الله اللبناني الذي أخذ يتمدد شيئاً فشيئاً حتى تغول على جميع الأطراف في المنطقة، وبدأ بلحظته الفارقة منذ وفاة حافظ الأسد عام 2000 وصعود وريثه بشار الأسد إلى السلطة فاتحاً الأبواب لمزيد من التوسع الإيراني في سوريا والعالم العربي، وكيف فشل الوريث في كبح شراهة إيران كفاعل إقليمي خلع الباب الذي كان قد فتحه حافظ الأسد، تحت أنظار الولايات المتحدة وإسرائيل وربما بتسهيل منهما.

المصدر : تلغزيون سوريا

Read Previous

اعتقال قيادي في الجيش الوطني

Read Next

مقتل طفلة وإصابات بين الطلاب بقصف للنظام على شمالي سوريا

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular