نزوح واسع لعشائر البدو من السويداء إلى درعا بعد تصاعد العنف والاعتداءات

 

اعداد : نادر دبو – سيريا مونيتور

 

شهدت محافظة السويداء خلال الأيام الماضية تصعيدًا خطيرًا في أعمال العنف، أسفر عن نزوح جماعي لعشرات العائلات من عشائر البدو باتجاه محافظة درعا المجاورة. ووفق شهادات ميدانية، فإن هذه العائلات تعرضت لاعتداءات مباشرة من مجموعات مسلحة يُتهم بعضها بالانتماء لما يُعرف بـ”المجلس العسكري في السويداء”، إضافة إلى فصائل مرتبطة بالشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز.

وتفيد شهادات نازحين وصلوا إلى ريف درعا الشرقي أن الاعتداءات بدأت عقب انسحاب “القوات الحكومية الانتقالية” من نقاط حيوية في السويداء، مما خلق فراغًا أمنيًا استغلته مجموعات مسلحة وُصفت بأنها خارجة عن القانون. وقد داهمت هذه المجموعات تجمعات للبدو داخل المحافظة، وارتكبت ما وصفه الناجون بـ”مجزرة مروعة” طالت النساء والأطفال، وترافقت مع عمليات إحراق للمنازل والممتلكات.

الهجمات جاءت في أعقاب نداءات استغاثة أطلقها أبناء عشائر البدو في السويداء، سرعان ما استجاب لها أفراد من قبائل عربية من مختلف المحافظات، في ما يشبه “فزعة جماعية”، شهدت تحركات مسلحة لعناصر مدججة بالسلاح، مما زاد من حدة التوتر والانقسام بين مكونات المجتمع المحلي.

وبحسب مصادر محلية، استُقبلت العائلات النازحة في بلدات عدة بريف درعا الشرقي، أبرزها خربة غزالة والمزيريب وصيدا، حيث تكفل الأهالي بتأمين الاحتياجات الأولية لهم، فيما لا تزال عائلات أخرى عالقة على الحدود الإدارية بين المحافظتين في ظروف إنسانية صعبة.

منظمات مدنية حذّرت من تدهور خطير في الأوضاع، في ظل استمرار التصعيد وغياب أي بوادر لحل سياسي أو ميداني يضمن وقف الاعتداءات وعودة المهجّرين إلى منازلهم بأمان. ويأتي ذلك في سياق فوضى أمنية متزايدة جنوب سوريا، وتراجع نفوذ الدولة على بعض المناطق، ما يثير مخاوف من اندلاع موجات عنف تهدد التركيبة الاجتماعية الهشّة في الجنوب.

شهادات من الناجين: “طلعونا من الموت”

من مركز خربة غزالة في درعا، روت السيدة سعاد الظاهر وهي نازحة من عشائر البدو في بلدة المزرعة بريف السويداء، تفاصيل مروّعة عن الاعتداء الذي طالها وعائلتها. وأشارت إلى أن الهجوم حدث عقب انسحاب قوات الأمن العام والجيش السوري من المنطقة، وتزامن ذلك مع القصف الإسرائيلي الأخير على مواقع في السويداء.

قالت الظاهر لمراسل سيريا مونيتور :
“دخلوا علينا بالعتمة، فرحانين لأن إسرائيل ضربت، حسّوا حالهم انتصروا… ذبحوا بنت أختي وابنها بس لأن جوزها بيشتغل مع الأمن العام، شردوا الناس، وتركونا تحت الشمس بلا مي ولا أكل، بعد ما أحرقوا بيوتنا”.

وأوضحت أن العشائر أطلقت نداءات استغاثة لقرايبهم في باقي المحافظات:
“طلبنا الفزعة، ما ضل إلنا غيرهم، إجوا طلعونا من الموت… العصابات أخدوا كل الشباب والرجال، ولليوم ما بعرف إذا جوزي وولادي عايشين أو قتلوهم، طلعنا من بيوتنا بتيابنا، ما أخدنا ولا شي، حتى الغنم سرقوها وقوصوا منها قدامي”.

وتابعت بحرقة:
“ذبحوا قدامي شباب من قرايبنا… نحنا من سنين ساكنين بالمزرعة مع أهلنا الدروز، كنا جيران وأخوة، بس من وقت ما استلم أحمد الشرع الحكم، تغيرت نظرتهم إلنا، صاروا يحكونا بغل وقسوة، لأننا فرحنا إنو الرئيس مننا، حاولنا نفهمهم إنو الشرع رئيس لكل سوريا، أحسن من بشار يلي ذبحنا 14 سنة، بس ما رضيو، وصاروا يتهمونا بالإرهاب”.

وأضافت عن أوضاعهم بعد المجزرة:
“ضلّينا يومين بالشمس، لا غطا ولا أكل، لحد ما إجت العشاير من كل المحافظات، الله يجزيهم الخير، طردوا المسلحين وحررونا من المزرعة، وجابونا لهون ع درعا، وحطونا بمدرسة بخربة غزالة”.

وأثنت على جهود الأهالي والحكومة المحلية في درعا:
“ما قصّروا، جابولنا مي وأكل وشرب، وفرشات وبطانيات وأدوية للأطفال المريضين… نحنا ممنونين من كل حدا وقف معنا”.

واختتمت حديثها برسالة إلى أهالي السويداء:
“يا جيراننا، نحنا وإنتو أخوة من أول الزمان، لا تخلّوا العصابات تفرّقنا، نحنا خسرنا رجالنا وولادنا متلكم، ومنا عارفين وينهم، مثل ما إنتو خسرتوا بهاي المعركة… خلينا نرجع نعيش جيران متل قبل”.

ضحايا من جميع المكونات: قصة نزوح أخرى من ولغا

في مشفى الصنمين بريف درعا، روت إحدى الجريحات من الطائفة الدرزية، والتي رفضت الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، تفاصيل رحلة نزوح قاسية عاشتها مع عائلتها هربًا من القصف والاشتباكات في محافظة السويداء.

قالت لمراسل سيريا مونيتور :
“نحنا من قرية ولغا، طلعنا بباص من السويدا صوب درعا، كنت أنا وأمي وأختي، وإخواني كمال ومحمد، وجدتي عمرها 80 سنة، ومعنا حوالي 20 شخص من نفس الضيعة. لما قربنا من المزرعة، صار ضرب على الباص وما عرفنا من وين… الشوفير تصاوب، والباص قلب فينا، كلنا انصبنا، وأمي وخالتي كانت إصابتهم خطيرة، ونقلو ناس منا على الشام لأنهم احتاجوا عمليات فتح بطن”.

وأشارت إلى أن الطاقم الطبي في مشفى ازرع قدم لهم الرعاية الكاملة، رغم بعض المضايقات:
“استقبلونا أول شي بمشفى ازرع وكان الاهتمام كبير، بس بنفس الوقت تعرضنا لمضايقات من ناس من العشائر، لأن عندهم ولاد نقتلو بالمعركة… قلنالهم نحنا مدنيين، ما إلنا علاقة، الأمن العام والجيش تدخلوا وحمونا”.

وتابعت:
“بعدها حولونا على مشفى الصنمين، وهون كمان اهتموا فينا، حطونا بجناح خاص، غرف نظيفة، وكل شي مؤمن… الناس هون ساعدونا كثير، والمدنيين ما قصروا… بس الأمن العام، حفاظًا على حياتنا، أخدوا منّا الموبايلات، بيقولوا حتى ما يصير انتقام أو يتم تحديد موقعنا”.

وختمت الجريحة حديثها بقلق واضح:
“لسّه لهلأ ما منعرف إيمتى رح نطلع، وإذا طلعنا، لوين نروح؟ ما إلنا حدا، أبونا مسافر بألمانيا، وما إلنا أقارب بالشام… ياريت ألمانيا تلم شملنا ونروح لعند أبونا، لأنو الوضع عنا صار لا يُحتمل”.

 

وفي ظل استمرار التصعيد الأمني وتوسع رقعة النزوح، يبدو الجنوب السوري أمام مفترق طرق مصيري يهدد السلم الأهلي والتعايش بين مكوناته التاريخية. فالهجمات المتبادلة والانقسامات المتنامية بين العشائر والفصائل المحلية تنذر بانفجار اجتماعي أكبر، ما لم يُتدارك الوضع بحلول سياسية عاجلة وإجراءات ميدانية حازمة.

أردف عدد من الأهالي في درعا بأن التضامن الشعبي الذي أبدته القرى المستضيفة للنازحين كان طوق نجاة للكثير من العائلات المنكوبة، لكنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن دور الدولة والمؤسسات الرسمية في حماية المدنيين وفرض القانون.

ونوّه ناشطون محليون إلى أن ترك الأوضاع تتدهور على هذا النحو قد يُطلق يد جماعات مسلحة خارجة عن السيطرة، بما يهدد الاستقرار ليس في السويداء ودرعا فحسب، بل في عموم المنطقة الجنوبية.

وأشار مراقبون إلى أن الأمل لا يزال معقودًا على أصوات العقل من كلا الطرفين، وعلى مبادرات مجتمعية تعيد جسور الثقة، وتضع حدًا لحالة التحريض والانقسام التي غذّتها أطراف مستفيدة من الفوضى.

وفي ظل هذا المشهد المعقّد، تبرز الحاجة الملحة إلى تدخلات إنسانية عاجلة، وجهود وساطة داخلية وخارجية تُنهي معاناة المدنيين وتمنع تحوّل الجنوب السوري إلى ساحة نزاع مفتوح يهدد وحدة المجتمع السوري ومستقبله.

 

Read Previous

وزارة الداخلية تنفي الأخبار المتداولة عن حصول إعدامات ميدانية لعناصر من فلول النظام

Read Next

باريس تحتضن اجتماعًا ثلاثيًا سريًا: مفاوضات سورية-إسرائيلية برعاية أميركية وسط تصعيد السويداء

Most Popular