قبل أسبوع واحد من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ترجح غالبية استطلاعات الرأي ذات الصدقية العالية فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن. إلا أن شبح انتخابات عام 2016 يبقى حاضراً في خلفية المشهد لدى الديمقراطيين، ومؤسسات سبر الآراء على السواء.
فوارق بين انتخابات 2016 و2020
رغم اتفاق أغلب الخبراء في مجال قياس الرأي العام على أن نتيجة انتخابات عام 2016 كانت مفاجئة إلى حدٍ ما، فإنهم يجمعون على وجود خلافات كبيرة بينها وبين انتخابات هذا العام، أهمها:
1- غياب ما يسمى “مفاجأة أكتوبر”، كما جرى في عام 2016، يمكن أن تضر بحظوظ بايدن. ففي أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وتحديداً قبل أحد عشر يوماً من الانتخابات التي جرت في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، حينها، جيمس كومي، إعادة فتح التحقيقات في استخدام هيلاري كلينتون بريداً إلكترونياً شخصياً خلال أداء عملها وزيرةً للخارجية في الفترة 2009-2013، وهو ما مكّن روسيا، بحسب الاستخبارات الأميركية، من اختراقه وتسريبه عبر “ويكيليكس”. وقد ألحق إعلان كومي حينها ضرراً فادحاً بحظوظها استغله ترامب. ورغم أن الجمهوريين حاولوا هذه المرة أن يستغلوا ثغرة مشابهة عبر مزاعم بتسرب البريد الإلكتروني الشخصي لهانتر، ابن بايدن، وربطه ووالده، خلال شغله منصب نائب الرئيس، بعلاقات مشبوهة مع روسيا وأوكرانيا، فإنهم لم ينجحوا. كما لم تنجح محاولات ترامب في إعادة رسائل كلينتون الإلكترونية إلى الضوء من خلال رفع السرية عنها ونشرها عبر وزارة الخارجية؛ ذلك أن المرشح هو بايدن وليس كلينتون.
وعلى العكس من ذلك، فإن ترامب هو من يجد نفسه اليوم في دائرة أهداف “مفاجأة أكتوبر”، إذ إنه أصيب بفيروس كورونا ودخل المستشفى بسبب إهماله القواعد الإرشادية التي تضعها إدارته، وإنكاره لحجم المشكلة. كما كان هناك كشف عن أنه دفع مبالغ زهيدة من الضرائب عامي 2015 و2016، فضلاً عن كشف وجود حساب بنكي له في الصين.
2- في انتخابات 2016، نجح ترامب في تصوير كلينتون على أنها كانت مرشحة “المؤسسة” الحاكمة (كانت سيدة أولى ثماني سنوات، وعضو مجلس شيوخ للمدة ذاتها، ووزيرة خارجية مدة أربع سنوات)، في حين أنه كان يمثل المرشح القادم من خارج تلك المؤسسة لـ “تجفيف مستنقعات الفساد” في واشنطن، كما زعم. ومن ثم، فإن انتقادات ترامب لكلينتون وإدارة الرئيس باراك أوباما والديمقراطيين، حينها، فيما يتعلق بالاقتصاد والهجرة واختلال الميزان التجاري مع الصين، وجدت صدى كبيراً لها، خصوصاً بين العمال الأميركيين البيض، الذين لم يكونوا يصوتون في العادة، وصوتوا بأعداد كبيرة في ذلك العام على نحو لم تتوقعه مؤسسات سبر الآراء.
الوضع في عام 2020 مغاير تماماً؛ فترامب هو الرئيس في خضمّ تفشي جائحة كورونا، وقد فشل فشلاً ذريعاً في التعامل معها، ما ترتب عليه إصابة ثمانية ملايين ونصف مليون أميركي حتى الآن، وأكثر من 225 ألف حالة وفاة، فضلاً عن تدهور اقتصادي كبير، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستويات الدخل. كما أن بايدن يتمتع بتقدير إيجابي أوسع مما كانت تحظى به كلينتون. وقد درست حملته الرئاسية أخطاء حملة كلينتون بعناية لتتجنّبها، ومن ذلك كيفية التعامل مع الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي يمثله عضو مجلس الشيوخ، بيرني ساندرز، وكذلك عدم إهمال الولايات التي ظنها الديمقراطيون عام 2016 محسومة لهم، مثل ميشيغان وويسكونسون. إضافة إلى ذلك، فإن مؤسسات سبر الآراء تعدّ اليوم أكثر إدراكاً للديناميات الجديدة للتصويت التي أبانت عنها الانتخابات الرئاسية السابقة قبل أربع سنوات.
3- تقدمت حملة بايدن بفارق كبير على حملة ترامب في جمع التبرعات في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 (167 مليون دولار في مقابل 82 مليون دولار لترامب)، وهو ما مكّنها من تعويض تراجع عقد التجمعات الانتخابية في المدن والولايات، عبر الإعلانات الانتخابية. ورغم أن حملة ترامب والجمهوريين واللجان الانتخابية المتحالفة معهم جمعت أكثر من حملة بايدن والديمقراطيين واللجان المتحالفة معهم (1.57 مليار دولار لترامب في مقابل 1.51 مليار دولار لبايدين)، فإن المعسكر الجمهوري وحلفاءه صرفوا كثيراً من تلك الأموال مسبقاً، وهو ما أعطى أفضلية للديمقراطيين في تشرين الأول/ أكتوبر الحاسم.
4- يشير متوسط عشرة استطلاعات وطنية للرأي ذات صدقية عالية أن بايدن متقدم على ترامب منذ أن أصبح المرشح الرسمي للحزب الديمقراطي في حزيران/ يونيو 2020. ويتقدم بايدن على ترامب بين الناخبين المحتملين بنسبة 42.3-51.3 في المئة. وهو متقدم أيضاً في إحدى عشرة ولاية من أصل ثلاث عشرة تعدّ ترجيحية هذا العام. أما على المستوى الوطني، فإن متوسط تقدمه هو عشر نقاط. وبحسب الخبراء، فإن هذا يجعل من احتمال فوز بايدن أكثر ترجيحاً، إذ إن كلينتون في مثل هذا الوقت من عام 2016 كانت متقدمة على ترامب، في المتوسط، بنسبة 42.2-47.7 في المئة. إضافة إلى ذلك، فإن نسبة غير المتأكدين لمن سيصوتون هذا العام تبلغ 2 في المئة، مقارنة بمتوسط 4-9 في المئة عام 2016. بمعنى أن غالبية المصوتين قد حسموا هوية مرشحهم، وهو ما يصعب على حملة ترامب إيجاد أصوات جديدة لاستقطابها، وخصوصاً أن أكثر من خمسين مليون أميركي صوّتوا إلى اليوم، عبر البريد أو مبكراً.
أسباب تدعو حملة بايدن للقلق
رغم أن بايدن يعد الأوفر حظاً للفوز بانتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن هناك مخاوف، وإن كانت محدودة، من إمكانية حصول مفاجأة انتخابية بناء على عدة عوامل، وهي:
1- نجاح الجمهوريين في حشد قاعدتهم الانتخابية وتوسيعها للتصويت في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر، في مقابل ركون القاعدة الديمقراطية إلى نتائج استطلاعات الرأي التي تُظهر تفوّق بايدن. ويحذر مسؤولون في حملة بايدن من أن يتراجع حماس القاعدة الديمقراطية للتصويت يوم الانتخابات، إذ إن أغلبهم إما أنهم صوّتوا وإما سيصوتون مبكراً أو عبر البريد، في حين سيصوت أغلب الجمهوريين يوم الانتخابات نفسه. وتشير المعطيات إلى نجاح حملة ترامب في تسجيل المزيد من الناخبين البيض، متعلمين وغير متعلمين، في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً في ولايات بنسلفانيا وويسكونسون وميشيغان، وهي الولايات الأكثر أهمية للديمقراطيين في الانتخابات الحالية. ورغم أن ثمَّة انطباعاً سائداً بأنه سيكون من الصعب على ترامب التغلب على الفارق الكبير بينه وبين بايدن في هذه المدة القصيرة قبل الانتخابات، فإن ذلك لا يدعو الديمقراطيين إلى الاطمئنان.
2- يتخوف الديمقراطيون من موضوع الاقتراع عبر البريد، في أفق تهيئة الجمهوريين الأجواء لرفض نتيجة الانتخابات إن جاءت لصالح بايدن، ومن ثم تحدّيها قضائياً وفي الولايات التي يسيطر الجمهوريون على مجالسها التشريعية، وصولاً إلى دفع مجلس النواب في الكونغرس إلى تحديد هوية الرئيس القادم. وينص التعديل الدستوري الثاني عشر على أنه إذا فشل المرشحان، أو المرشحون للرئاسة، في الحصول على 270 صوتاً في “المجمع الانتخابي”، عندها يكون لمجلس النواب حق تعيين الرئيس، ولكن التصويت لا يكون على أساس فردي، وإنما يصوّت نواب كل ولاية من الولايات الخمسين ككتلة واحدة لاختيار أحد المرشحين الفائزين بأعلى الأصوات، على ألا يتجاوز عدد المرشحين ثلاثة. وهكذا، فبدلاً من أن يكون لدينا 435 صوتاً، سيكون هناك 50 صوتاً في مجلس النواب الأميركي. وإذا أخذنا هذا المجلس وحدةَ قياس، فإننا سننتهي إلى أزمة دستورية كبيرة، إذ إن الجمهوريين لديهم أغلبية في خمس وعشرين ولاية، في حين لدى الديمقراطيين أغلبية في ثلاث وعشرين ولاية، ويتساوى الأعضاء الديمقراطيون والجمهوريون عدداً في نواب ولايتي فلوريدا وبنسلفانيا.
3- من غير الواضح عدد بطاقات الاقتراع البريدي التي ستقبلها الهيئات المشرفة على الانتخابات في كل ولاية، إذ إن بعض الأخطاء في تعبئتها قد يؤدي إلى رفض جزء منها. ورغم أن المحكمة العليا في ولاية بنسلفانيا أعطت لسلطات الولاية حق احتساب بطاقات الاقتراع البريدي التي تصلها خلال ثلاثة أيام من يوم الانتخابات، فإنها وضعت شروطاً أخرى على أصحاب البطاقات قد تؤدي إلى إبطال أكثر من 100000 منها، وهو رقم أعلى بأكثر من مرتين من عدد الأصوات التي فاز بها ترامب على كلينتون في هذه الولاية عام 2016.
4- يخشى الديمقراطيون من مساعي التأثير في أصوات قاعدتهم الانتخابية وقدرتها على التصويت. إذ وضعت ولايات جمهورية عدة سياسات للحد من تصويت الأقليات، المؤيدة للديمقراطيين في العادة، عبر تحديد أماكن الاقتراع ووضع متطلبات صعبة عليهم. كما أن ثمَّة مخاوف بشأن محاولات ترهيب أبناء الأقليات لردعهم عن التوجه إلى صناديق الاقتراع.
5- رغم أن استطلاعات الرأي المختلفة تعطي لبايدن تقدماً واضحاً في إحدى عشرة ولاية متأرجحة من أصل ثلاث عشرة، فإن تقدم بايدن، بحسب بعض تلك الاستطلاعات، يبقى ضمن هامش الخطأ، وخصوصاً في ولايات مثل فلوريدا ونورث كارولينا. كما يراود الديمقراطيين حالةٌ من عدم اليقين حيال الناخبين الشباب الذين قد يتكاسلون في بعث بطاقات اقتراعهم، وهو ما سيحرم بايدن من أصوات كثيرة تحسب له في استطلاعات الرأي. وثمة تخوف أيضاً لدى الديمقراطيين من أن بعض الذين سيصوتون لترامب يترددون في مصارحة مستطلعي الآراء بذلك بسبب أنه شخص يثير كثيراً من الاستقطاب، ومن ثمّ فقد تكون هناك أصوات لترامب لم تستطع عمليات السبر الكشف عنها.
خاتمة
يبدو أن خيارات ترامب باتت صعبة ومحدودة للفوز بولاية ثانية، فهو لن يستطيع خلال الأسبوع المتبقي للانتخابات تقليص الفارق في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني مع بايدن، ومن الصعب عليه أيضاً تكرار الفوز الذي حققه في الولايات المتأرجحة عام 2016، فهناك الآن ثلاث عشرة ولاية متأرجحة، هي: ويسكونسون، وبنسلفانيا، وميشيغان، وفلوريدا، ونيوهامشر، ومينيسوتا، وأريزونا، وجورجيا، وفرجينيا، ونيفادا، وكولورادو، ومين، ونورث كارولينا. ويضيف إليها البعض الدائرة الانتخابية الثانية في ولاية نبراسكا. وقد فاز ترامب بعشر من هذه الولايات عام 2016، تاركاً لكلينتون نيوهامشر ومينيسوتا ونيفادا. وحتى تتوافر إمكانية لتحقيق نصر مفاجئ في هذه الانتخابات، فينبغي له أن يفوز بكل الولايات التي فاز فيها في انتخابات عام 2016، على أن يكون من ضمنها واحدة على الأقل من الولايات الثلاث الأولى، ويسكونسون أو ميشيغان أو بنسلفانيا. لكن هذا صعب جداً. بل تظهر استطلاعات الرأي أن بايدن يزاحم ترامب في ولاية تعتبر جمهورية تقليدياً، وهي تكساس. فضلاً عن أنه من الصعب جداً أن يحقق ترامب نصراً انتخابياً من دون فلوريدا، التي تظهر استطلاعات الرأي أنه متراجع فيها.
تنحصر آمال ترامب حالياً في انتزاع بعض الولايات الترجيحية من بايدن، بحيث تحصل كلتا الحملتين على 269 مندوباً فقط في المجمع الانتخابي، أو أن يحظى بدعم من الجمهوريين في بعض تلك الولايات للتشكيك في نزاهة الاقتراع البريدي ومحاولة تعيين المندوبين في المجمع الانتخابي عبر المجالس التشريعية الولائية. في حال حصل ذلك، فإنه سيطلق معارك قضائية وقانونية، وقد يُدخل البلاد في أزمة دستورية غير مسبوقة.
المصدر: المركز العربي للدراسات
للاطلاع على الدراسة من المصدر اضغط هنا