تشهد العاصمة السورية دمشق حراكاً دبلوماسياً غير مسبوق، يعيد تشكيل ملامح العلاقات الإقليمية والدولية مع سوريا بعد سنوات من العزلة السياسية، وفود سياسية ودبلوماسية رفيعة المستوى تصل تباعاً إلى العاصمة في إطار تحركات متسارعة تُنذر بمرحلة جديدة قد تعيد لسوريا دورها المحوري في المنطقة.
لعل أبرز التطورات تكمن في وصول وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى دمشق ولقاء أحمد الشرع، واللافت أن هذه الزيارة تأتي في سياق موجة من التفاهمات الدبلوماسية الجديدة التي بدأت تتبلور بين دول المنطقة، فبعض العواصم التي أغلقت سفاراتها في دمشق منذ انطلاق الثورة بدأت الآن تعيد النظر في الأمر بعد إسقاط نظام الأسد، معلنة فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الإدارة السورية الجديدة.
وزير الخارجية التركي في دمشق
إن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان التقى في العاصمة دمشق مسؤولين من الإدارة السورية الجديدة، على رأسهم أحمد الشرع، القائد العام للإدارة.
وبحسب وكالة “الأناضول”، شارك في الاجتماع نائب وزير الخارجية نوح يلماز، والقائم بالأعمال المؤقتة للسفارة التركية في دمشق بورهان كوروغلو، وأسعد حسن الشيباني الذي تم تعيينه وزيراً للخارجية في الحكومة السورية الجديدة.
وكانت وسائل إعلام محلية قد أفادت في وقت سابق اليوم بدخول رتل أمني كبير من تركيا، يضم نحو 100 سيارة، وتوجهه من الشمال السوري إلى دمشق.
وأكد وزير الخارجية هاكان فيدان، في تصريحات أمس، وجود خطط لزيارة دمشق ولقاء مسؤولين من الإدارة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن “هيئة تحرير الشام” لم تشارك في أي أعمال إرهابية منذ عقد.
جنبلاط يلتقي أحمد الشرع
في صباح اليوم، وصل الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى قصر الشعب في دمشق برفقة وفد لبناني رفيع المستوى. وأفاد مراسل تلفزيون سوريا بأن الوفد يضم وائل أبو فاعور، وسامي أبي المنى، وتيمور جنبلاط.
وأكد جنبلاط أن زيارته إلى دمشق تعد حجر الأساس لإعادة العلاقات بين سوريا ولبنان إلى طبيعتها.
من جهته، أشار الشرع إلى الدور الذي لعبه أهالي السويداء في العملية العسكرية التي أدت إلى إسقاط النظام السوري، مؤكداً على الترابط التاريخي بين الجانبين.
وتعهد الشرع بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً “سلبياً” في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور.
وأضاف أن النظام السوري السابق لم يكتفِ بقمع السوريين، بل امتد ذلك إلى اللبنانيين، مشيراً إلى عمليات اغتيال طالت قادة من البلدين، مؤكداً تطلع الإدارة الجديدة في سوريا إلى إعادة بناء علاقات أخوية متينة بين الشعبين السوري واللبناني.
حراك دبلوماسي متسارع
إلى جانب اللقاءات رفيعة المستوى، أعادت عدة دول تمثيلها الدبلوماسي في دمشق، واستأنفت عمل سفاراتها بعد سقوط نظام الأسد.
وبحسب مصادر، وصل وفد سعودي اليوم إلى دمشق والتقى أيضاً بقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع.
من جانب آخر، رفع وفد رسمي من الخارجية القطرية، أمس السبت، علم قطر على السفارة القطرية بالعاصمة دمشق، وهي الدولة الثانية بعد تركيا التي تعيد فتح سفارتها عقب إسقاط نظام بشار الأسد المخلوع.
وكانت الدوحة قد أعلنت، الأحد الماضي، إعادة فتح سفارتها في سوريا بعد إغلاقها لنحو 13 عاماً.
سبق ذلك إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان استئناف سفارة بلاده عملها في دمشق، وتعيين برهان كور أوغلو قائماً بالأعمال للسفارة.
وفد أميركي في دمشق
وقبل يومين، عقد القائد العام لإدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع في دمشق لقاءً مع وفد دبلوماسي أميركي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، ناقش فيه الطرفان العديد من القضايا المتعلقة بسوريا بعد سقوط الأسد.
وإلى جانب باربرا ليف، ضمّ الوفد الزائر كلاً من المبعوث الرئاسي لشؤون الرهائن روجر كارستينز، والمستشار المعين حديثاً دانيال روبنشتاين، الذي كُلف بقيادة جهود الخارجية الأميركية في سوريا، ليكونوا بذلك أول دبلوماسيين أميركيين يسافرون إلى دمشق منذ أن أطاحت المعارضة السورية ببشار الأسد.
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط للصحافيين بعد اللقاء، إنها ناقشت مع ممثلي السلطة المؤقتة، بمن فيهم أحمد الشرع، “المبادئ التي اتفقنا عليها مع شركائنا في العقبة”، موضحة أن الإدارة الأميركية “تدعم بالكامل عملية سياسية بقيادة سورية وملكية سورية تؤدي إلى حكومة جامعة وتمثيلية تحترم حقوق جميع السوريين، بما في ذلك المرأة والمجتمعات السورية المتنوعة عرقياً ودينياً”.
وأضافت ليف أن الشرع “تعهد بمكافحة الجماعات الإرهابية وضمان عدم تمددها داخل سوريا”، وأكدت له أن واشنطن لن تُبقي على المكافأة بشأنه مقابل مكافحة تنظيم الدولة.