هيئة تحرير الشام تعيد هيكلة جناحها العسكري

خالد الخطيب

ساد الجدل أوساط الجهاديين المناهضين لـ “هيئة تحرير الشام” مؤخراً بسبب ظهور عدد من قادة ومقاتلي حركة “أحرار الشام” في صفوف المنتسبين للكلية العسكرية في إدلب، وهو ما اعتبره الجهاديون مقدمة لشراكة واسعة وعلنية بين الطرفين بعدما نجح تيار “الانقلابيين” داخل الحركة بالاستحواذ عليها في النصف الثاني من عام 2021، وذلك بحسب وصف الجهاديين الذين تداولوا أيضاَ معلومات عن عمليات إعادة هيكلة نفذتها تحرير الشام في صفوف تشكيلات جناحها العسكري والتي تضمنت في جزء منها نقل مجموعات النخبة المقربة من القيادة إلى مفصل الجهاز الأمني وتوابعه من المكاتب والفروع الناشئة، وضخ دماء جديدة في الألوية العسكرية وضم أعداد أكبر من المنتسبين الجدد وبأعمار صغيرة إلى صفوفها.

في الـ20 من تشرين الأول الماضي أعلنت “حكومة الإنقاذ” التابعة لـ تحرير الشام تأسيس كلية تعنى بالشؤون العسكرية باسم الكلية العسكرية وترتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة، ويتولى إدارة الكلية مدير الكلية الذي يُسمى بقرار من رئيس الإنقاذ، وأن تتمتع الكلية بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وبموازنة مالية مستقلة تدخل ضمن موازنة الإنقاذ.

ونص قرار التأسيس أيضاً على أن تعمل الكلية على تحقيق أهدافها المحددة بالنظام الداخلي، ومنها الإشراف على تدريب الطلاب المنتسبين إليها لتخريجهم ضباطًا عاملين مؤهلين للخدمة في صفوف التشكيلات العسكرية المقاتلة في الشمال السوري ضد النظام، وأن تعمل على تأمين التعيينات العسكرية من عتاد وسلاح ولباس، وما تحتاج إليه العملية التدريبية فيها، بحسب إعلان الإنقاذ حينها.

يرى مصدر عسكري في الجيش الوطني المعارض أنه كان متوقعاً منذ تأسيس الكلية العسكرية في إدلب وإتباعها للإنقاذ أن تستقطب الفصائل المقربة من تحرير الشام، فالأخيرة تزعم أن الكلية ليست واحدة من المؤسسات التابعة لها وبهذا أعفت الفصائل التي ترغب فعلياً بشراكة معها من الحرج والإبقاء على هذه العلاقة والشراكة الاستراتيجية في الإطار السري، على الأقل في المرحلة الراهنة.

يضيف المصدر خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا أن “الأهداف العامة من تأسيس الكلية قد تندرج في إطار التحول التنظيمي، كمنح رتب عسكرية وإلغاء مصطلح الأمير والاستعاضة عنه بألقاب جديدة، كالنقيب والعقيد والعميد، وهذا ما تحتاج معظم التنظيمات والحركات الإسلامية التي ترغب بالتحول التنظيمي، وأن يكون لها ثقل في المرحلة المقبلة، كأحرار الشام وتحرير الشام”.

ويتابع المصدر: “يبقى الهدف الكبير من إنشاء الكلية هو التأسيس لوزارة الدفاع، أي حوكمة الحالة العسكرية، والتي من المفترض أن تضمن لتحرير الشأن وحلفائها حصة الأسد في أي شراكة عسكرية مع الفصائل في الجيش الوطني خلال الفترة المقبلة، هذا في حال تم التوصل إلى صيغة مجلس عسكري، وذلك إن لم تنجح فكرة وزارة الدفاع، ويبدو أن ما تبقى من أحرار الشام شركاء في هذه التطلعات لذا لم يكن مستغرباً وجود مقاتلين وقادة من الحركة في صفوف الكلية”.

يذكر الجهاديون المناهضون لتحرير الشام بعض الأسماء لشخصيات فاعلة في أحرار الشام هي اليوم عناصر متدربة في الكلية العسكرية، وهم طلاب في الدورة الثالثة، ومن المفترض أن يحصل هؤلاء على رتب عسكرية خلال عام 2022، ومن بينهم وفق الجهاديين “أبو محمود خطاب مسؤول المجموعات المقربة من حسن صوفان، وأبو أدهم كرناز، وأبو فارس درعا، وأبو فريد الغاب عسكري في منطقة أريحا، وأبو زياد مورك، وخلدون أبو معاذ مسؤول مجموعات الغاب” وغيرهم، وجميعهم مقربون من تحرير الشام، بحسب الجهاديين.

الجهادي المناهض لتحرير الشام “أبو هادي”، يقول عبر قناة على تلغرام: ” بحكم ما نعرفه عن أبي محمد الجولاني وجماعته وعشقهم للظهور والسلطة فإن الجولاني لم تعجبه بسالة وشجاعة مغاوير الأحرار والوحدة 82 على جبهات ريفي إدلب وحماة وخوضهم المعارك باسم أحرار الشام ويريد عبر وكلائه داخل الأحرار أن يضم هؤلاء الأبطال لاسمه وهيئته والدراويش في الجناح العسكري لم يفهموا للآن”.

من جانبه، رد الإعلام الرديف على انتقادات الجهاديين، وقالت حسابات تابعة لتحرير الشام: “يغيظ العملاء أتباع المخابرات أن يلتحم مجاهدو الفصائل تحت راية واحدة وقيادة واحدة، فهذا الأمر يؤدي لانضباط الوضع العسكري وتطوير المجاهدين وبعون الله سيكون بداية لتجهيز القوات لتحرير الشام وباقي مدن سوريا، والتحام المجاهدين لا يتناسب مع فكرهم وفكر أسيادهم وداعميهم”.

مصادر عسكرية متطابقة مقربة من تحرير الشام، قالت لموقع تلفزيون سوريا إن ” تطورات المرحلة في الثورة السورية تستوجب خطوات عملية أكثر جدية في ناحية التنظيم العسكري، فالكلية العسكرية صرح عظيم وإنجاز كبير، ويتوجب على كل القادة في الفصائل من الصفين الأول والثاني الالتحاق بها وزيادة خبرتهم العسكرية والقتالية وأن يكونوا مزودين بتكتيكات ومادة عسكرية تناسب العصر، والحصول على شهادات أكاديمية تؤهلهم للقيادة”. تضيف المصادر “الكلية العسكرية ثمرة 11 عاماً من البذل والعطاء وهدفها إنشاء قادة يجيدون فن التخطيط العسكري ومجاراة تطور العدو العسكري والكلية هي خطوة نحو توحد الجهود العسكرية في الشمال المحرر”.

وفي سياق متصل، مع بداية عام 2022 زاد اهتمام تحرير الشام بالترويج لجناحها العسكري وسلط إعلامها الرديف والرسمي الضوء على مختلف الألوية والتشكيلات التابعة للجناح والتي بدا أنها شهدت مع بداية العام عملية هيكلة شاملة ليصبح معها كل تشكيل بمثابة فرقة عسكرية تضم جميع مقومات التشكيلات المستقلة إدارياً وتنظيمياً ولوجستياً، أي من ناحية امتلاك التشكيلات لبنى وقطعات ومعسكرات خاصة، وهذه البنى موجودة في كل قطاع من القطاعات التي تتوزع عليها ألوية الجناح.

رصد موقع تلفزيون سوريا خلال شهري شباط وآذار من العام الحالي نشاطاً متزايداً للجناح العسكري في تحرير الشام، وذلك من ناحية تخريج دورات عسكرية ومن مختلف التخصصات، وفتحها الباب لاستقطاب أعداد إضافية من المجندين الجدد، ففي الـ5 من شباط الماضي كرّمت تحرير الشام مقاتليها الأوائل في أثناء تخريج أحد قادة الكتائب، وذلك بحضور زعيمها أبي محمد الجولاني وقيادات عاملة في صفوفها، وفي الـ 13 من الشهر نفسه كرمت تحرير الشام المتفوقين ضمن دورة قادة السرايا.

وفي الـ 15 من شباط أعلن عن تخريج دورة قناصين يتبعون للألوية العسكرية، وفي الـ17 منه تم تخريج دورة كتائب مشاة، وفي الـ20 من الشهر ذاته كرّمت تحرير الشام مقاتلين ضمن صفوفها في قسم التحصين الآلي والتدشيم اليدوي، ونشرت مؤسسة أمجاد الإعلامية التابعة لتحرير الشام صورًا لحفل شهد حضور قيادات الجناح العسكري، وفي الـ28 من شباط كرّمت تحرير الشام المتفوقين من مقاتليها في الدورات الشرعية ضمن لواء المدفعية الرديف، وأعلنت عن تخريج دورة رفع مستوى للكتيبة الأولى في لواء الزبير بن العوام في الـ21 من آذار، وقبل ذلك أعلن في الـ18 من آذار عن تخريج دورة قادة سرايا إسناد مباشر، وأجري اختبار جاهزية سرايا الرشاشات بالألوية العسكرية، كما خرج لواء أبي عبيدة بن الجراح دورة قناصين خلال الشهر ذاته، ودورة رفع مستوى رشاش 14.5، ورفع الجاهزية، ودورة رماة مضاد دبابات ودروع.

يبدو أن حملة الانتساب الأخيرة التي أعلنت عنها تحرير الشام تزامنت مع نقل وتهميش عدد من العسكريين والقادة القدامى في صفوف تشكيلاتها العسكرية، وبالأخص القيادات التي تعارض سياسات تحرير الشام المنفتحة، وتحولاتها البراغماتية المتواصلة والشخصيات المتعاطفة إلى حد كبير مع الجهاديين المنشقين، كما عملت تحرير الشام على سحب عدد آخر من الكوادر والقادة والمجموعات العسكرية القديمة ذات الخبرة والكفاءة والتي تتسم بالولاء الكبير لأبي محمد الجولاني ونقلهم ليكونوا ضمن صفوف جهاز الأمن العام الذي توليه تحرير الشام أهمية كبيرة وتعول عليه كثيراً لفرض سلطتها في إدلب.

وشملت التحركات العسكرية الداخلية أيضاَ التركيز على ضم الوجوه الشابة ومن مشارب مختلفة إلى صفوفها في حملات التجنيد التي روجت لها في كل مكان بإدلب وريفها، وتعول تحرير الشام على الدماء الجديدة في صفوف تشكيلاتها العسكرية لتكون القوة الضاربة التي تتبنى توجهات تحرير الشام وخطابها المستجد بعكس القيادات والمجموعات التقليدية التي ما تزال تشكل عائقاً أمام التحول، أو على الأقل تجعل خطا التحولات متباطئة.

Read Previous

مسيرات مؤيدة للغزو الروسي لأوكرانيا في اللاذقية وطرطوس | صور

Read Next

البنتاغون يخصص دعماً مالياً لـ “قسد” في ميزانية الدفاع للعام 2023

Leave a Reply

Most Popular