في الوقت الذي ينصب فيه التركيز بشكل مبرر على أزمة إنسانية كبيرة، يبدو نظام الأسد كمن يحاول انتزاع مصالحه انتزاعاً، حيث اتخذ مما جرى عقب الزلزال كمبرر لرفع الغرب عقوباته عن دمشق، في إشارة إلى الإجراءات التي تعيق دخول المساعدات الإنسانية. بيد أن معارضي النظام دحضوا تلك المزاعم، عبر الإشارة إلى الإعفاءات التي تتصل بالأمور ذات الأغراض الإنسانية والتي وردت ضمن نص العقوبات. وبعد وقوع الزلزال، أكدت إدارة بايدن بأن كل الصفقات السورية التي تتم على أسس إنسانية والتي كان من الممكن لها أن تتعارض مع العقوبات، أصبح بإمكانها أن تتم خلال فترة تمتد لستة أشهر.
وبقدر ما قد يتمنى الأسد أن يثني على هذا القرار الأميركي عبر وصفه بأنه: “انتصار على العقوبات” كما وصفه تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط، لم يكن ذلك القرار: “أكثر من تكرار للسياسة الأميركية القائمة، والتي تضمن عدم تأثير العقوبات على تدفق المساعدات، أي أن القرار لم يأت بجديد البتة، غير أن إدارة بايدن بات عليها اليوم أن تولي اهتماماً أكبر بفكرة احتمال سعي حلفاء النظام لإلغاء الاستثمارات الاستراتيجية الخاضعة للعقوبات في سوريا من خلال أنشطة توصف بإنها: “إغاثة للزلزال”.
وبعيداً عما يمكن أن يكسبه الأسد من زيادة تدفق المساعدات إلى بلده، والمخاوف المتزايدة حول عدم وصول أجزاء من تلك المساعدات للمجتمعات التي باتت بحاجة لها، ثمة واقع يشير إلى أن أي تعاطف طبيعي مع محنة السوريين قد يساعد ذلك النظام الذي نبذته دول المجتمع الدولي معظمها على كسر الجليد من حوله.
يحاول الأسد استغلال الزلزالين للخروج من العزلة الدولية، وذلك لأن دعوة نظامه إلى رفع العقوبات ما هي إلا محاولة للتطبيع معه بحكم الأمر الواقع من قبل المجتمع الدولي”.
إلا أن عملية التطبيع قد بدأت قبل ذلك، خاصة في دول الجوار، حيث قامت دول بينها الإمارات التي كانت في وقت من الأوقات من أشد الداعمين للمعارضة السورية بإصلاح ذات البين مع الأسد، كما وعدت بتقديم مساعدات كبيرة عقب الزلزال. أما السعودية فقد أرسلت طائرة مباشرة إلى سوريا لتكون الأولى من نوعها منذ عقد من الزمان، فأتت محملة بالمساعدات لمدينة حلب التي يسيطر عليها النظام خلال الأسبوع الماضي. في حين أن تونس، مهد الربيع العربي الذي ألهب السوريين على القيام بانتفاضتهم، أعادت العلاقات الرسمية مع الأسد قبل مدة قصيرة.
قد يسهم الدفء الذي أحاط بالأسد من قبل دول الجوار العربية بتغيير الآراء عنه في دول أبعد، فالأسد: “يحاول أن يعيد رسم صورته عبر إظهار رغبته بتقديم تنازلات من خلال التفاوض مع الفاعلين الدوليين” بحسب رأي ويل تودمان، وهو عضو في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ويضيف: “إنها تنازلات ضئيلة، إلا أنه يأمل أن تكفي لخلق قناعة في العواصم الأوروبية وغيرها حول فكرة التعامل مع النظام التي ستكون مجدية بهدف تحسين ظروف السوريين الذين باتوا يعيشون في حاجة وفاقة”.