كشف تحقيق صادر عن “المركز السوري للعدالة والمساءلة” (SJAC) الحقوقي وثائق تثبت مراقبة النظام السوري للمواطنين المقيمين خارج سوريا في مختلف الدول.
وبحسب التحقيق المنشور بعنوان “آليات المراقبة الخارجية وشبكة السفارات السورية في الخارج”، استخدم النظام السوري السفارات كنقطة انطلاق لمراقبة وترهيب المعارضين السياسيين السوريين.
وتمكن “المركز السوري” بين عامي 2013 و2015، من الوصول إلى نحو 483 ألف صفحة من وثائق سرية صدر بعضها قبل عام 2000، عُثر عليها في مرافق مهجورة تابعة للحكومة السورية تثبت مراقبة وجود عمليات مراقبة ممنهجة للسوريين. وركّز التحقيق على الوثائق الصادرة بعد العام 2011 والمرتبطة بسوريين مقيمين في بيلاروسيا وبلجيكا وقبرص ومصر وفرنسا واليونان والعراق واليابان والأردن ولبنان وروسيا بالإضافة إلى تركيا وأوكرانيا والمملكة المتحدة واليمن.
المدير التنفيذي للمركز، محمد العبد الله، قال إن التحقيق حلل الوثائق التي حملت اختام تظهر أهمية الوثائق، مثل “سري للغاية” للوصول إلى نتائج أكثر أهمية.
لم تقتصر عمليات المراقبة على البلدان التي يوجد فيها أعداد كبيرة من المغتربين أو اللاجئين السوريين، إذ شملت المراقبة جميع أنحاء العالم، وعمل النظام على حشد كامل موارد الدولة لتيسير المراقبة في البلدان التي يوجد فيها تمثيل دبلوماسي سوري أكثر رسوخًا مثل تركيا ولبنان. ومن بين الوثائق التي تضمنها التحقيق، وثيقة تحمل طلب رئيس شعبة الأمن السياسي من رؤساء فروع الأمن السياسي في المحافظات، الحصول على معلومات حول “المحرّضين” المعارضين في جميع أنحاء فرنسا وبلجيكا وتركيا وروسيا ولبنان.
وتضمنت إحدى الوثائق الواردة طلبًا من رئيس شعبة الأمن السياسي بجمع معلومات حول مواطن سوري مقيم في ولاية غازي عنتاب التركية، لترديده عبارات “سلبية” تمس رئيس النظام السوري، بشار الأسد أمام القنصلية السورية.
وأظهرت الوثائق حجم التنسيق الأمني وتبادل المعلومات بين السفارات وأجهزة الأمن الداخلي، والذي عمل النظام السوري على تعزيزه بعد عام 2011.
وحول دور الدول بعمليات المراقبة، قال المدير التنفيذي للمركز، محمد العبد الله، إن هناك احتمالية بأن تكون الدول لعبت دورًا بعمليات المراقبة قائمة، خصوصًا في دول لا تتمتع بسجل حقوق إنسان إيجابي، لافتًا إلى أن تلك الاحتمالية تقتصر على الدول العربية.
إجراءات مستمرة
رغم إغلاق العديد من السفارات السورية بعد بدء الاحتجاجات في سوريا عام 2011 رجح العبدلله، بالاستناد إلى الوثائق والمؤشرات التي حللها التحقيق، استمرار النظام السوري بعمليات المراقبة.
وفي حين تحولت السفارة السورية في برلين إلى قنصلية، لاحظ “المركز السوري” خلال مراقبة محاكمة الطبيب علاء موسى المتهم بتعذيب وقتل المدنيين، في ألمانيا أن الملحق الإعلامي بالقنصلية حاول تهريب الطبيب عن طريق طائرة لإجلاء الطلاب خلال جائحة كورونا، لكن موسى تخلف عن الرحلة لأسباب عائلية.
كما أن الملحق الإعلامي نصح موسى بتعيين محام محدد، اسمه أسامة العجي، وهو ما فعله الطبيب ليكون العجي محامي الدفاع في الوقت الراهن.
وخلال جلسات المحكمة تكرر الحديث عن تعرّض الشهود وذويهم لتهديدات أمنية تطلب منهم التراجع عن المشاركة في المحكمة، ما اعتبره العبدلله دليلًا على استمرار نشاط النظام السوري في ألمانيا بمراقبة السوريين رغم إغلاق السفارة.
“قمع” عقب المراقبة
قال المدير التنفيذي للمركز، محمد العبدلله إنه من الصعب التحقق من أن عمليات المراقبة ترتب عليها إجراءات قمعية مثل اعتقال أهالي المعارضين وإخفاء بعض أقاربهم قسرًا، لافتًا إلى أن نطاق المعلومات ضمن الوثائق وحجم التفاصيل المقدمة تؤكد قدرة النظام على الاستفادة منها لابتزاز السوريين بالخارج.
ومن بين الإجراءات المترتبة على مراقبة السوريين بالخارج والتي ظهرت للعلن، الاعتداء على والدي الموسيقار السوري مالك جندلي، بحسب ما قاله العبدلله، معتبرًا أن التحقق من الإجراءات المترتبة على وثائق جمعت من 17 سفارة غير ممكن. ويترتب على عمليات المراقبة عبء إضافي على السلطات والمنظمات الحقوقية القائمة على المحاكمات في أوروبا أعباءً إضافية جرّاء ترهيب الشهود وابتزازهم بذويهم.
ويرى العبدلله أن المشكلة مرتبطة بأن نظام حماية الشهود يقتصر على أماكن وجودهم في أوروبا، بينما يعتبر الخطر الحقيقي على ذويهم داخل سوريا، وهو ما دفع العديد من الشهود لرفض تقديم شهاداتهم، إذ تعد مشاركة المتهم بأسماء الشهود إجبارية كجزء من التقاضي العادل ليكون المتهم على داية بتفاصيل المحاكمة.
وجاء التحقيق في ظل استمرار التحركات لتطبيع العلاقات مع النظام السوري وإظهار بعض الدول استعدادها لإعادة فتح السفارات بعد سنوات من إغلاقها.
وقال العبدلله، إن أهمية التحقيق تكمن بتقديم دليلًا واضحًا لتلك الدول على أن النظام استخدم السفارات السورية بالخارج لقمع المواطنين. وفي حين تتوجه الدول للحديث عن أن سوريا “آمنة” لإعادة اللاجئين، يظهر التحقيق حجم الخطر الذي ما زال يلاحق السوريين، وفق ما قاله العبدلله، موضحًا أن المعيار الأساسي لكون سوريا “آمنة” ليس انتهاء العمل العسكري بل سلامة اللاجئ.
وتظهر الوثائق أن السفارات جمعت عن السوريين معلومات مفصلة ودقيقة وفيها تفاصيل تتيح التعرف على العائدين ونشاطهم في الخارج، ما يجعلها أداة لإنهاء قرارات وبرامج ترحيل السوريين من أوروبا.
وأظهرت العديد من التحقيقات والتقارير السابقة تعرّض اللاجئين السوريين العائدين إلى بلدهم للاعتقال والإخفاء القسري، بينها تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” بعنوان “حياة أشبه بالموت” الصادر عام 2021.