نشرت محافظة دمشق التابعة للنظام في نشرة الإعلانات بجريدة “البعث” الرسمية العدد 769، إعلاناً حمل رقم 454 دعت فيه سكان منطقة اليرموك ذات الغالبية الفلسطينية، ممن تدمرت منازلهم أو كانت آيلة للسقوط جزئياً أو كلياً، لمراجعة دائرة خدمات اليرموك من أجل إزالة وترحيل تلك الأبنية. وأكّد الإعلان أنه وفي حال عدم التنفيذ خلال شهر، فسيتم ترحيل الأنقاض وإلزام المُّلاك بالغرامات المالية المترتبة على ذلك.
ولطالما كان لمخيم اليرموك خصوصية إدارية باعتباره وحدة مستقلة تتبع لوزارة الإدارة المحلية، وتُدار من قبل اللجنة المحلية لمخيم اليرموك، حتى أصدر مجلس الوزراء السوري في تشرين الثاني 2018 القرار رقم 61 القاضي بأن تحلّ محافظة دمشق محل اللجنة المحلية المذكورة، وأن يوضع العاملون في اللجنة تحت تصرف المحافظة، وذلك بغية تسخير كل الطاقات المتوفرة لدى محافظة دمشق من إمكانات وكوادر وخبرات من أجل إعادة تأهيل البنية التحتية لمخيم اليرموك وإعادة أهاليه إليه.
تجدر الإشارة هنا إلى أن قوات الحكومة السورية كانت قد شنت، بالتعاون مع القوات الروسية، في شهر نيسان لعام 2018، حملة عسكرية وحشية على مخيم اليرموك، الواقع جنوب مدينة دمشق وعلى بعد حوالي 8 كم منها، أدت إلى تدمير ما يقارب من 80% من عمران المخيم جزئياً أو كلياً. ويبين “أطلس دمار المدن السورية” الذي أصدرته وكالة الأمم المتحدة للبحث والتدريب في آذار 2019، مدى الضرر الذي تعرض له المخيم بناءاً على تحليل صور الأقمار الصناعية، ويشير الأطلس إلى احتلال المخيم للمرتبة السابعة على سُلّم المناطق السورية الأكثر دماراً.
بعد عودة مخيم اليرموك إلى سيطرة الحكومة السورية، وفي حزيران 2020، وافق مجلس محافظة دمشق خلال جلسته الاستثنائية على المخطط التفصيلي رقم 105 لمنطقة القابون السكنية، والمصور التنظيمي رقم 298/3 لمنطقة مخيم اليرموك والذي تضمّن إعادة تنظيم شاملة للمنطقة الأكثر تضرراً، وتوفير خدمات للمناطق الأقل ضرراً، بما يساهم في إعادة أكثر من ٤٠% من الأهالي. وسمحت حكومة النظام في أيلول 2021 بعودة سكان مخيم اليرموك إليه مع بدء توفير بعض الخدمات الأساسية فيه.
إعلان محافظة دمشق يتعارض مع “قانون الأنقاض” السوري:
جاء هذا الإعلان مخالفاً لما ينص عليه القانون 3 لعام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها. فبحسب القانون رقم 3 يجب أن تتم الإجراءات وفق الآتي:
- على الوحدة الإدارية اقتراح حدود المنطقة المتضررة، وبناءاً على هذا المقترح يُصدر المحافظ قراراً يحدد فيه المنطقة العقارية والمباني المتضررة، وعلى الوحدة الإدارية بعدها (خلال مدة 120 يوماً) إعداد تقرير مفصل يبين مخطط المباني المتضررة وأسماء مالكيها، حجم الأضرار والنفقات المتوقعة والتجهيزات اللازمة لإزالة الأنقاض، والقيمة المتوقعة لهذه الأنقاض.
- نشر قرار المحافظ في الجريدة الرسمية وإحدى الصحف في العاصمة دمشق، ويتوجب الإعلان عنه في لوحة إعلانات الوحدة الإدارية وبهو المحافظة ومديرية المنطقة لمدة 15 يوماً. ويحق لمالكي العقارات والأنقاض ووكلائهم وأقاربهم حتى الدرجة الرابعة أن يتقدموا بطلب للجهة الإدارية خلال 30 يوماً من تاريخ الإعلان، يُبينوا فيه محل إقامتهم ويرفقوا معه المستندات التي تثبت حقوقهم.
- يُصدر المحافظ قراراً بتشكيل “لجنة التوصيف والتثبت”، ويكون من بين أعضاء هذه اللجنة ممثلين اثنين عن الأهالي، وتكون مهمتها جرد وحصر وتوصيف المباني المتضررة والتثبت الأولي من عائدية الملكية، وتقوم بتنظيم جدول بأسماء المالكين وترفعه للجهة الإدارية خلال 120 يوماً. يتوجب على الأخيرة الإعلان عن هذا الجدول خلال 15 يوم تحدد بعدها الوحدة الإدارية موعد بيع الأنقاض بالمزاد العلني. من حق المالكين ووكلائهم وأقاربهم حتى الدرجة الرابعة الطعن بما ورد بهذا الجدول أمام محكمة الاستئناف وذلك خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي لنشره، وإلا اعتبر نهائياً.
- ثم خلال 30 يوماً، تقوم الوحدة الإدارية بقبول طلبات أخذ الأنقاض والمقتنيات الخاصة ممن وردت أسماؤهم في جدول المالكين النهائي، وتنتهي إجراءات أخذ الأنقاض والمقتنيات الخاصة من قبل أصحابها خلال 30 يوماً من تاريخ انتهاء مهلة قبول الطلبات.
- يمنح القانون الوحدة الإدارية حق هدم وإزالة الأنقاض الموجودة على الأملاك الخاصة بانتهاء هذه المهلة، ويتم بيع الأنقاض بالمزاد العلني، وتودع قيمتها في حساب خاص باسم الوحدة الإدارية لدى أحد المصارف العامة، ويُجمّد لحساب المستحقين ممن تثبت ملكيتهم وفق أحكام هذا القانون، كلٌّ حسب المساحة الطابقية التي يملكها، وتُحسم من الأموال المودعة نفقات أعمال إزالة وترحيل الأنقاض التي تقوم بها الوحدة الإدارية.
علماً أنه إذا لم يبلغ بدل المزايدة القيمة المتوقع تحصيلها، تتصرف الوحدة الإدارية في الأنقاض وفق ما تراه مناسباً وفق أحكام نظام العقود للجهات العامة، ودفاتر الشروط الفنية المعدة من قبل وزير الأشغال العامة والإسكان، وبالتنسيق مع وزير الإدارة المحلية والبيئة.
إعلان محافظة دمشق ينتهك حق الملكية:
بناءً على ما سبق، تبين عند الاطلاع على هذا الإعلان عدم اتباع الوحدة الإدارية للإجراءات القانونية التي وضعها المشرع لما يفترض أن يحمي ويصون الحقوق المكتسبة، ولا سيما تلك المتعلقة بالمهل المنصوص عليها في القانون رقم 3 لعام 2018 والإجراءات المتعلقة بتشكيل اللجان المذكورة فيه.
كما أن إزالة الأنقاض على وجه السرعة يمكن أن يكون سبباً في محو آثار العقارات وأماكنها، مما قد يؤدي إلى ضياع أدلة إثبات ملكيتها في حالة فقدان المالك سندات الملكية. هذا وإن الإجراءات السريعة والمهلة القصيرة الواردة بالإعلان لا تُتيح للمالكين في منطقة اليرموك اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية ملكياتهم، أو تقديم المستندات المؤيدة لحقوقهم، وخاصة مع غياب كثير منهم نتيجة النزاع المستمر على مدى ما يقارب 12 سنة وما أثمر عنه من عمليات اعتقال وإخفاء قسري وتهجير.
زد على ذلك، فإن هذه الإجراءات المختصرة لترحيل الأنقاض ووضع مالكيها تحت ضغط الوقت (شهر واحد)، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف التي لازمت السوريين خلال السنوات الأخيرة، يوحي باحتمالية الاستيلاء على تلك الأنقاض بدون وجه حق، مع تحميل المسؤولية التقصيرية للمالك نفسه، الذي قد يكون نازحاً أو لاجئاً أو معتقلاً، وبالتالي لا تسعفه مهلة الشهر للقيام بالمطلوب.
وقد كان من الأولى تطبيق الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 3 المشار إليه آنفاً قبل البدء بإلزام الأهالي بترحيل الأنقاض، وذلك لأن خطوة إثبات الملكية يجب أن تسبق غيرها من الخطوات، فمن المحتمل وجود خلافات قانونية بين شخصين أو أكثر حول ملكية عقار معين، مما يترك السؤال مفتوحاً حول من عليه القيام بترحيل الأنقاض. إضافة إلى حدوث الكثير من عمليات نقل الملكيات بشكل غير قانوني في السنوات الأخيرة التي عمت فيها الفوضى، مما يقتضي بادئ بدء النظر في الملكيات وتحديد المالكين ولو بالاستناد إلى ظاهر الأوراق والأدلة التي ستقدم من مدعي الملكية.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى إن الاعتداء على الملكية الخاصة يخالف نص المادة 15 من دستور سوريا لعام 2012 النافذ حالياً، الذي أكّد بأن الملكية الخاصة، من جماعية وفردية، مصانة ولا تنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض يعادل القيمة الحقيقية للملكية، كما ويخالف هذا الإجراء نص المادة 771 من القانون المدني السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1949، التي أكدت بأنه لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون على أن يكون ذلك مقابل تعويض عادل.