في أرجاء سوريا ولبنان -البلدان المنهكان على كافة المستويات- تتفشى صناعة المخدرات بشكل مزدهر، وهذا يشكل قصة تثير اهتمام وسائل الإعلام حول العالم، وقضية تمتد آثارها إلى سياسات الدول المعنية بالتعامل مع الأوضاع المعقدة في سوريا.
هنا، بلد تتورط فيه مؤسسات أمنية وعسكرية بالصناعة والتهريب، حتى باتت تلازمه صفة “جمهورية الكبتاغون”.
في تحقيق استغرق ثلاثة أشهر من البحث الدقيق، لكشف النقاب عن وثائق ذات أهمية قصوى. تتناول هذه الوثائق الخفايا المثيرة لتصنيع المخدرات القاتلة “الكبتاغون” في سوريا ولبنان، بالإضافة إلى الآليات المعقدة لعمليات التهريب التي تنظمها شبكات متناثرة عابرة للحدود. يسلط هذا التحقيق الضوء على مصانع إنتاج المخدرات، والمراحل العملية للتخزين والتهريب، وصولاً للتعاملات المالية بين شبكات الإنتاج والتهريب والأرباح الهائلة من تجارة المخدرات. كذلك التأثير الكبير للغطاء الأمني على تفاقم هذه الظاهرة الخطيرة. كما يركّز على صلة وثيقة تجمع بين ثلاث جهات رئيسية في سوريا ولبنان، تتعلق بعمليات التصنيع والتهريب التي تحدث في المنطقة.
حزب الله، الذي يشكل قوة سياسية وعسكرية مؤثرة في لبنان، بالإضافة إلى الفرقة الرابعة، وشعبة المخابرات العسكرية، أبرز جناحين للمؤسسات الأمنية والعسكرية في سوريا.
كان وصولنا إلى بيانات جوّال المهرب السوري، من مشاهد فيديو ومحادثات واتساب، أبرز إنجاز في التحقيق. إذ تكشف هذه البيانات جانباً مهماً عن عملية تجارة المخدرات في الشرق الأوسط، وطبيعة العلاقة بين حلقات التصنيع، وسلاسل التوريد.
انطلق التحقيق من مشاهد فيديو من قلب معمل لتصنيع الكبتاغون في لبنان. سجّل هذه المشاهد تاجر مخدرات لبناني لقبه “أبو علي بعلبك” في الشهر الأول من العام الجاري 2023، وأرسلها من رقمه الخاص عبر الواتساب، إلى جوّال مهرب سوريّ.
يحرص “أبو علي بعلبك”، على تصوير شحنة المخدرات أثناء إعدادها وتغليفها في مصنعه الخاص بمنطقة بعلبك شمال لبنان، مع ورقة صغيرة يكتب عليها تاريخ التصوير، والاسم الحركي لمُشتري البضاعة في سوريا. على المهرب السوريّ بالمقابل دفع 5% من قيمة الشحنة بعد مشاهدة مقطع الفيديو. ويكمل الدفع، عند استلام الشحنة.
بحثنا طويلاً عن هوية “أبو علي بعلبك” حتى وصلنا لشخصيته الحقيقية. هو حسن شمص، لبناني الجنسية من مواليد 1986 كما تُظهر صفحته التعريفية على فيس بوك. حاول فريق التحقيق التواصل معه عبر الواتساب، ومواجهته بالأدلة التي تثبت تورطه في تصنيع المخدرات، لكنه امتنع عن الرد.
يبدو حسن شمص، حريصاً على عدم انتشار أي صور شخصية له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويظهر حرصه الأمني أيضاً في اعتماده على رموز وكلمات سر يستخدمها التجار والمهربون في اتصالاتهم ومحادثاتهم. الحطب يعني الحشيش، والعدس كبتاغون، أما “السكّة” فتعني خط التهريب.
إياد حبيب جعفر “سكّة”
تعدّ المرحلة الثانية بعد تصنيع شحنة الكبتاغون في لبنان، تهريبها إلى داخل الأراضي السورية. تتواجد ميليشيات لبنانية وجماعات متخصصة في التهريب، على الحدود مع سوريا، تتولى عملية نقل المخدرات.
اتفق المهرب السوري في اتصالاته مع حسن شمص، أن تتولى ميليشيا تابعة لإياد حبيب جعفر، تهريب شحنة المخدرات من الأراضي اللبنانية إلى ريف حمص داخل الأراضي السورية.
إياد جعفر، الملقب أبو علي، واسمه الحركي بين المهربين السوريين، أبو علي “سكّة”. بينما يلقّبه اتباعه في منطقة الهرمل اللبنانية التي ينحدر منها: “القائد”. شخصية بارزة وله دور محوري في عمليات التهريب بين سوريا ولبنان.
جعفر هو “الضابط” الفعلي للحدود بين الهرمل وريف حمص. لكنه ضابط من نوع آخر، فلا يمكن أن تعبر شحنة مخدرات من “جرد آل جعفر” إلّا بترفيقٍ من جماعته مقابل نسبة مالية محددة. ليست المخدرات فحسب، السلاح، المحروقات، الدخان، الكهربائيات، وكل ما يمكن تهريبه بين البلدين.
يقود إياد جعفر ميليشيا مسلحة كبيرة من أفراد عشيرته التي تعدّ إحدى أبرز العشائر البعلبكية في لبنان. ولهذه الميليشيا سطوة في مناطق وجودها، لعوامل عديدة منها ملكية إياد جعفر وأتباعه لجزء كبير من الأراضي في المناطق الحدودية، خصوصا “جرد آل جعفر”، وهو من أبرز المنافذ غير الشرعية مع سوريا.
تتولى هذه الميليشيا، عملية نقل شحنات المخدرات من الأراضي اللبنانية، إلى داخل الأراضي السوريّة، عبر “جرد آل جعفر” تحديداً، مروراً بنقاط التفتيش التابعة للفرقة الرابعة. تحصل الميليشيا على مبالغ مالية تحدد حسب نوع الكمية المهربة وحجمها. فالسيارة المحملة بالمخدرات 8 آلاف دولار، وسيارة السلاح 5 آلاف دولار.
لإياد جعفر مكانة بارزة في أوساط جماعته، تقديم عباءة له في محفل كبير، كما تُظهر بعض الصور زيارات متكررة يجريها إلى سوريا، والعراق. هذه العوامل، إضافة إلى الصلة الوثيقة التي تربط إياد جعفر بحزب الله، حيث شارك مع أتباعه إلى جانب الحزب في معارك القصير عام 2013، ساهمت في ترسيخ دور رئيسي له في عمليات تهريب المخدرات من لبنان إلى سوريا.
تواصل فريق التحقيق مع رقم إياد جعفر الخاص عبر الواتساب، لمنحه حق الرد على المحادثات والصور التي تدينه في عملية تهريب المخدرات من لبنان إلى سوريا، فرفض الرد.
تشير الأرقام المعلنة عن كميات المخدرات التي يتم ضبطها في الدول المجاورة بعد تهريبها من سوريا، إلى أرقام هائلة، توثق ازدهار تجارة المخدرات. الأردن وحده أعلن مطلع عام 2022 ضبط أكثر من 16 مليون حبة كبتاغون خلال نحو 45 يوماً، ما يعادل الكمية التي ضُبطَت طوال العام 2021.
الكميات الهائلة التي يتم ضبطها، لا تشكّل أكثر من 25% من الكميات الفعلية التي يتم تصنيعها وتهريبها، بحسب أحد المنخرطين في شبكات التهريب. يحتاج إنتاج هذه الكميات، إلى عشرات المعامل، ذات القدرات الإنتاجية العالية. ورغم انتشار معامل تصنيع في سوريا، لكنها لا تنافس حتى اليوم معامل التصنيع في لبنان، التي لا تزال المصدر الأهم والأبرز لتصنيع الكبتاغون، وذلك لعدّة عوامل توصلنا لها في التحقيق.
تتركز أكبر مصانع لإنتاج الكبتاغون، في منطقتي بعلبك والهرمل في لبنان، الخاضعتين لنفوذ حزب الله. أما المعامل التي باتت تنتشر في سوريا، فقدراتها الإنتاجية محدودة، وهناك عقبات عديدة تحدّ من تطور إنتاجها.
أول العقبات، هي القيود المفروضة على حركة الاستيراد والتصدير في سوريا، فالمواد الأولية لتصنيع الكبتاغون، يتم استيرادها إلى لبنان تحديداً، من دول في شرق آسيا. كما أن خبراء التصنيع في سوريا أعدادهم محدودة جداً، وعادة ما يعتمد أصحاب المعامل في سوريا، على خبراء من لبنان، لتصنيع الكبتاغون.
لا يرضى الخبير اللبناني، بأقل من 75 ألف دولار أمريكي شهرياً، مقابل الإشراف على تصنيع الكبتاغون، فالعملية تحتاج عمليات كيميائية معقدة، وليست بهذه البساطة. كما أنه ليس من مصلحة تجار المخدرات في لبنان، أن ينتقل التصنيع إلى سوريا، ويخسروا مورداً مالياً لا يمكن تعويضه. على إثر تلك العقبات، “لا تضاهي جودة الكبتاغون المُنتج في سوريا، كبتاغون لبنان، حتى اليوم، لذلك لا يزال الطلب الأكبر على المادة من لبنان” وفق شهادة شخص مطلع على ملف التهريب، ساهم بتسريب بعض البيانات والوثائق.
اكتشفنا نظاماً محدداً يتم اتباعه في عملية تجارة المخدرات العابرة للحدود. تُنتج معامل التصنيع حبوب الكبتاغون، ويشرف عمال على تغليفها بالبلاستيك وطباعة الماركة عليها. كل مُغلف أو شدّة كما يسميها المهربون، تحتوي 1000 حبة كبتاغون، وكل 500 شدّة، تشكّل صندوقاً. يحتوي الصندوق الواحد على نصف مليون حبة. وللكبتاغون أصناف متنوعة تتفاوت أسعارها باختلاف جودتها. حسب شهادة أحد المهربين، فإن متوسط سعر صندوق الكبتاغون في لبنان 25 ألف دولار. ويتراوح سعره بعد تهريبه إلى سوريا بين 30-35 ألف دولار، ويبلغ في الأردن 40-45 ألف دولار. أما في المملكة العربية السعودية، فإن سعر الصندوق يحطم رقماً قياسياً: ثلاثة ملايين دولار. تعدّ المملكة العربية السعودية الوجهة الأبرز لشحنات الكبتاغون، حيث يصل سعر حبة الكبتاغون الواحدة إلى ستة دولارات، بينما لا يتجاوز سعرها في معامل التصنيع في لبنان نصف دولار فقط. يؤكد مصدرنا أن نجاح تهريب شحنة واحدة من المخدرات إلى المملكة العربية السعودية يمكن أن يعوض خسائر تسع شحنات على الأقل.
التعاملات المالية بين شبكات التهريب
تكشف الوثائق أن مهربي المخدرات يستخدمون شركات تحويل مالية رسمية، لإرسال واستقبال الحوالات المالية، بين لبنان والأردن على وجه الخصوص. وذلك لتسديد ثمن شحنات المخدرات.
شرح لنا مصدر طلب عدم ذكر اسمه، آلية التعامل المالي بين مهربي وتجار المخدرات: التاجر في سوريا يرتبط مع تاجر في الأردن، يطلب الأخير كمية مخدرات محددة من السوري. يرتبط السوري بدوره مع وسطاء وتجار لبنانيين، مثل إياد جعفر، أو أصحاب معامل مثل حسن شمص، فيطلب منهم تحضير الكمية المحددة.
يدفع التاجر السوري نسبة لا تتجاوز 5% من ثمن الشحنة للتاجر اللبناني، وعندما يستلم التاجر السوري الشحنة يدفع ما تبقى من المبلغ.
يتكفّل التاجر السوري بثمن الشحنة، ويتضامن معه مجموعة تجّار عندما تكون الشحنة ضخمة، كما يتكفّل بدفع المبالغ المالية للحلقات الوسيطة، التي تنقل الشحنة من لبنان إلى سوريا. يتفق مع التاجر الأردني على موعد محدد لتهريب الشحنة إلى الأردن، على أن يتحمّل التاجر السوري الخسارة لوحده، في حال فشل تهريبها إلى الأردن.
أما في حال النجاح في تهريب شحنة المخدرات ووصولها إلى الأردن، فإن ثمنها يرسله التاجر الأردني عبر شركات الحوالات المالية الرسمية من الأردن إلى شخص يحدده التاجر السوري في لبنان، بسبب القيود المفروضة على الحوالات الخارجية في سوريا. بعدها تُرسل الأموال من لبنان إلى سوريا، عبر شركات غير رسمية “السوق السوداء”.
الفرقة الرابعة: العامود الفقري للتهريب
من بين الوثائق التي يعرضها التحقيق مشهد فيديو صوره أحد اتباع إياد جعفر، أثناء مرور جماعته برتل سيارات دفع رباعي، عبر نقطة تفتيش سورية تابعة للفرقة الرابعة. يخرج من النقطة عنصر ليستلم من كل سيارة 100 دولار “على الماشي”، وهذا هو الحال على نقاط التفتيش.
بعد وصول شحنة المخدرات إلى الأرضي السورية، يستلمها عناصر من الفرقة الرابعة، من أبناء ريف حمص -الذين تربطهم علاقات عشائرية بمنطقة الهرمل- ويتولى عناصر الرابعة نقلها بكل أريحية داخل الأراضي السوريّة. السيارات التي تحمل مهمات الرابعة، لا تخضع للتفتيش أو التدقيق على أي حاجز أمني او عسكري، داخل الأراضي السورية. وبحسب شهادة أحد المنخرطين في عمليات التهريب، فإن عناصر الفرقة الرابعة يشكّلون العامود الفقري لعمليات التهريب داخل الأراضي السورية. تسيطر الرابعة على كل المعابر الشرعية وغير الشرعية بين البلدين.
يتولى عناصر الفرقة الرابعة عمليات نقل المخدرات إلى أربع وجهات رئيسية، حسب الطلب. مرفأ اللاذقية لتهريب المخدرات عبر البحر، جنوب سوريا وريف دمشق لتهريبها نحو الأردن ودول الخليج، دير الزور نحو العراق، وشمال غرب سوريا نحو تركيا ومناطق سيطرة المعارضة المسلحة في إدلب.
جنوب سوريا: شعبة المخابرات العسكرية
تتفرع في كل منطقة شبكات متعددة تتولى عمليات النقل، والتخزين، والتهريب عبر الحدود، بحسب توزع سيطرة قوى الأمر الواقع. في جنوب سوريا، تنتهي مهمة عناصر الرابعة على الحدود الإدارية لمحافظتي درعا والسويداء. فشعبة المخابرات العسكرية لها النفوذ الأول هنا، والمتعاقدون معها يتولون مهام التهريب ضمن مناطق نفوذهم. تنتشر في جنوب سوريا عشرات الشبكات، ومن بين متزعميها ثلاثة فرض الاتحاد الاوروبي مع بريطانيا عقوبات عليهم لتورطهم في تهريب المخدرات: راجي فلحوط، عماد ابو زريق، ومصطفى المسالمة “الكسم”.
هؤلاء الثلاثة، إضافة إلى مرعي الرمثان الذي قُتل بغارة جوية على منزله مطلع شهر أيار 2023، يتزعمون ميليشيات مسلحة، ويرتبطون بعقود مدنية مع شعبة الاستخبارات العسكرية.
المسالمة وابو زريق من محافظة درعا، كانا يتبعان للمعارضة المسلحة قبل 2018، قبل خضوعهما لاتفاق التسوية وانضمامها للشعبة، أما فلحوط الذي اختفى من السويداء صيف 2022 بعد انتفاضة مسلحة ضده، والرمثان الذي قُتل مؤخراً، تزعمّا ميليشيات موالية للنظام، مرتبطة بالشعبة.
ابو زريق، والكسم، وفلحوط، والرمثان، هم عيّنة من رجال الميليشيات المنخرطين في عملية تهريب المخدرات جنوب سوريا باتجاه الأردن. على غرارهم يتواجد العشرات في درعا والسويداء. وفي مقابلة صوتية مع مرعي الرمثان قبل أشهر من مقتله. أقرّ الرمثان في المقابلة عمله في التهريب، وتبعيته لشعبة المخابرات العسكرية.
الحدود السورية الأردنية: درب الهلاك
تعدّ الحدود السورية الأردنية الممتدة على طول 375 كم، آخر مرحلة من مراحل تهريب المخدرات براً في سوريا. تنتشر على جانبي الحدود مجموعات مسلحة تربطها صلة عشائرية. تمثل هذه المجموعات، عصب عملية التهريب بين سوريا والأردن، فالمهربون في هذه المنطقة، وبحكم طبيعة حياتهم، من ترحال مستمر، ورعاية للمواشي، يعرفون دروبها ومسالكها أكثر من غيرهم.
بعد العام 2018، مع ازدهار تجارة المخدرات، وتردي الظروف الأمنية والاقتصادية في سوريا، بات استقطاب الشباب للعمل في شبكات التهريب أكثر سهولة. الفئة الأكبر من هؤلاء المهربين، شباب تتراوح أعمارهم بين 18-30 عاماً، وبعضهم أطفال دون سن 15 عاماً.
قال أحد العاملين في التهريب، من عشائر مدينة شهبا، إن المبلغ الذي يحصل عليه في حال نجح بتهريب شحنة المخدرات إلى داخل الأردن، يصل إلى 10 آلاف دولار أمريكي “مبلغ خيالي يستعد المهرب لأن يخسر حياته مقابل الحصول عليه”. يضيف المصدر “باتت الحدود الأردنية تسمى درب الهلاك بين أبناء العشائر بعد سقوط عشرات القتلى العام الماضي”. وأكد وجود تجّار وقادة ميليشيات يرتبون عملية التهريب. كل تاجر منهم يتزعم شبكة أو ميليشيا أفرادها بالعشرات من أبناء العشائر. وهؤلاء التجار، لديهم غطاء أمني من ضباط المخابرات والجيش، فالمنفعة متبادلة، ولا يمكن للتاجر أن يستمر، دون هذا الغطاء.
يحمل المهربون المخدرات في حقائب على أكتافهم، ويعبرون سيراً على الأقدام ضمن مناطق تضاريسها قاسية. حصراً، يحصل التهريب في الأجواء التي تنعدم فيها الرؤية، ما يصعّب مهمة كشفهم على حرس الحدود الأردني.
خلال عام 2022، وثقت مصادر مقتل 32 مهرب مخدرات، من عشائر السويداء، بينهم طفل واحد. جميعهم قُتلوا على الحدود السورية الأردنية، بعدما غير الأردن قواعد الاشتباك، وبات يتعامل بصرامة أكبر من محاولات التهريب باتجاه حدوده، وصلت مؤخراً إلى حد قصف منزل تاجر مخدرات، داخل الأراضي السورية. كانت هذه الضربة الأردنية تطوراً ملفتاً في عملية مكافحة تهريب المخدرات من سوريا، إلّا أن لنتائجها أثرٌ محدود على شبكات تجارة الكبتاغون في المنطقة. فقد قضت الضربة على شخص واحد، له دور محدد في عملية التهريب، ويوجد على غراره العشرات في جنوب سوريا فقط. كل واحد منهم، له شبكته الخاصة.
يخلص التحقيق، إلى أن عمليات تصنيع وتهريب المخدرات تدار بطريقة لا مركزية في سوريا ولبنان، عبر شبكات منظّمة عابرة للحدود. تبدأ في لبنان، وتمتد إلى سوريا والأردن والسعودية. لكل بلد شبكاته الخاصة، تتشعب هذه الشبكات كتشعب خيوط بيت العنكبوت، وتجمعها المصالح المالية.
تعدّ الظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية المتدهورة في لبنان وسوريا، عواملاً حاسمة ورئيسية في ازدهار تجارة المخدرات. لكن العامل الأبرز، والأكثر خطورة، هو تورط أجهزة أمنية وعسكرية في البلدين برعاية تصنيع وتهريب المخدرات، كحزب الله، والفرقة الرابعة، وشعبة المخابرات العسكرية.
تجارة وتهريب المخدرات كانت منتشرة في المنطقة حتى قبل العام 2011. لكن، بعد ذلك العام، باتت تمثّل شريان الحياة، لقوى الأمر الواقع، من ميليشيات وجماعات مسلحة، وقوى أمنية وعسكرية. فالسلطات التي يفترض أن تكافح تجارة الكبتاغون، تتورط في رعايتها بشكل مفضوح.
الأرباح التي تحققها عوائد الكبتاغون هائلة، وتكشف سراً من أسرار ازدهار تجارة المخدرات. لقد باتت هذه الأرباح، مصدر تمويل رئيسي لأمراء الحرب في سوريا ولبنان. أمراء الحرب، وبما يمثلونه اليوم من قوى أمر واقع، لا يمكن أن يستغنوا عن هذه الأرباح، التي تضمن استمراريتهم، وبقاء سلطتهم.
تتوقف قوة هذا التحقيق بشكل رئيسي على وثائق حصرية حصلنا عليها من جوال لأحد مهربي المخدرات في البادية السوريّة. بالإضافة إلى ذلك، أجرى فريق التحقيق مقابلات مع ثلاثة أشخاص انخرطوا في عمليات تهريب المخدرات، كما استعان بمصادر مطلعة على هذا الملف. ونظرًا لحساسية القضية، فقد اخترنا عدم الكشف عن هويات المصادر.