بعد سنوات طوال من اختفاء شقيقه في مدينة حمص منذ عام 2014، تفاءل الشاب “حسن الأحمد” بصدور قرار أممي يقضي بإنشاء مؤسسة معنية بالمفقودين في سوريا، وتتبع مباشرة للمنظمة الأممية، متوقعا أن يحصل على أخبار عن شقيقه الغائب.
يقول “حسن”: “على مدار ثمانية أعوام لم أدخر جهدا بالسؤال عن شقيقي، ولم أترك وسيلة تمكنني من الوصول له، حتى استنفذت كل ما أملك من مال، لأشخاص زعموا أنهم يستطيعون أن يحصلوا على معلومات عن شقيقي، ومكان وجوده عدا تواصلي وزياراتي المستمرة لسجناء مفرج عنهم، بهدف الحصول على خبر عن شقيقي ومعرفة مصيره، والعودة لأبناءه وزوجته بخبر عنه، والأهم من ذلك إطفاء نار الحزن بقلب والدتي، التي جفت دموعها بسبب الشوق لابنها، الذي خرج لعمله في مدينة حمص منذ صيف عام 2014، وحتى اليوم لا نعلم أين هو، ولربما نتمكن من خلال المؤسسة المزمع إنشاؤها من قبل الأمم المتحدة من الوصول لشقيقي”.
بالمقابل، لم يعقد “تامر الحجي” المنحدر من محافظة حماة أي أمل على القرار الأممي، الخاص بإنشاء مؤسسة أممية خاصة بالمفقودين لا سيما أن والده مفقود منذ عام 2018، وحتى اليوم لا يعلم مكانه و”سلم أمره لربه”، بحسب ماجاء على لسان “تامر”، إذ أن “النظام منذ عام 2011 يقتل السوريين ولم تستطع لا منظمات أممية ولا هيئات دولية إيقافه، عن القتل التهجير والتدمير، وما القرار الجديد إلا مثل القرارات السابقة له، التي ركلها النظام برجله ولم يعطِ لها أية أهمية، طالما لاتوجد قوة تفرض عليه التنفيذ”.
تعليقا على الآلية الأممية الجديدة للكشف عن المفقودين، ومدى تأثيرها على نظام الأسد، يقول المحامي والخبير بالقانون الدولي عبد الناصر حوشان إن “هذه الآلية ذات طابع انساني بحت، وليس لها أية ولاية جنائية في تحديد المسؤول عن جرائم القتل تحت التعذيب والاختفاء القسري”.
ويضيف حوشان أن “الآلية ليست ملزمة للنظام وتحتاج إلى موافقته للبدء في العمل، مثلها مثل باقي الآليات الخاصة، التي أنشأتها الأمم المتحدة في سوريا، التي رفض النظام التعاون معها كما يرفض الاعتراف بها” .
ويؤكد حوشان أن قرارات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن التي تصدر في غير الفصل السابع، ليس لها طابع الإلزام القسري.
وينص القرار الأممي الذي صدر قبل أيام على إنشاء “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، لجلاء مصير ومكان جميع المفقودين”، الذين تقدر منظمات غير حكومية عددهم بأكثر 100 ألف شخص، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
وشارك في صياغة مشروع القرار كل من لوكسمبرغ وألبانيا وبلجيكا والرأس الأخضر وجمهورية الدومينيكان ومقدونيا.
وكانت أغلب الدول الغربية قد صوتت لمصلحة القرار، في حين لم تصوت له من الدول العربية سوى قطر والكويت، وامتنعت 13 دولة عن التصويت هي: لبنان والعراق ومصر والسعودية والجزائر والبحرين والمغرب والإمارات وجيبوتي واليمن والأردن وعمان وتونس، فيما رفضته الصين وروسيا وكوريا الشمالية وكوبا وإيران وغيرها.
ووصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا قرار إنشاء المؤسسة بـ “التاريخي”.
وقال رئيس اللجنة باولو بينيرو في بيان إن “هذه الخطوة طال انتظارها من قبل المجتمع الدولي، وقد جاءت أخيرا لمساعدة عائلات جميع من اختفوا قسرا وخُطفوا وعُذبوا واُحتجزوا في الحبس التعسفي، بمعزل عن العالم الخارجي على مدى السنوات الـ 12 الماضية”.
وأضاف أن العائلات “تُركت بمفردها في بحثها عن أحبائها لفترة طويلة جدا”، مشيرا إلى أن هذه “المؤسسة ضرورة إنسانية وتكمل الجهود نحو تحقيق المساءلة”.
يقول “بسام الأحمد” مدير منظمة سوريون للحقيقة والعدالة والتي أصدرت عدة تقارير وتحقيقات وتوصيات بخصوص المعتقلين، إن “القرار المتعلق بإنشاء آلية خاصة للمفقودين يُعتبر سابقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ببلد معين، واثرها سيكون بعيد الأمد قليلاً نظرا لما تتطلبه الآلية من وقت لجمع الموظفين وتسميتهم، وجمع البيانات والمعلومات، إضافة لتواصلها مع جميع أطراف النزاع”.
وفي حديث خاص يؤكد “الأحمد” أن أهم مايمكن أن تعمل عليه الآلية هو إنشاء قاعدة بيانات موحدة لكافة المفقودين، لدى جميع أطراف النزاع بعموم سوريا، وفي مقدمتهم النظام وباقي الأطراف.
ويلفت الأحمد إلى أنه لايوجد آلية إلزام للمؤسسة المقرر إنشاءها، وليس لديها سلطة لا على النظام أو المعارضة، والقرار إنساني أممي يطالب جميع الأطراف والمنظمات التعاون مع الآلية للوصول لهدفها، وهي بداية لجمع المعلومات يتبعها ضغط على أطراف النزاع للكشف عن مصير المفقودين.
وكانت الأمم المتحدة أنشأت عدة آليات، واتخذت عدة قرارات خاصة بسوريا، لم تلقَ تجاوبا أو تعاونا من النظام، مثل انضمام الأخير لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية في سبتمبر 2013، حيث اتخذ المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية القرار EC-M-33 / DEC.1 بشأن تدمير برنامج الأسلحة الكيميائية السوري، والذي تمت المصادقة عليه من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2118 (2013) بالإجماع في نفس اليوم.
وحدد قرار المجلس التنفيذي برنامجًا معجلًا لتحقيق إزالة الأسلحة الكيميائية السورية بحلول منتصف عام 2014، وطالب ببدء عمليات التفتيش في سوريا اعتبارا من 1 أكتوبر 2013، ودعا إلى تحديد مواعيد نهائية للتدمير من قبل المجلس التنفيذي بحلول 15 نوفمبر.
وفي كانون الثاني 2023 قالت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إن تحقيقا استمر قرابة عامين خلص إلى أن مروحية عسكرية حكومية واحدة على الأقل، أسقطت أسطوانات غاز الكلور على مبان سكنية في مدينة دوما السورية عام 2018، ما أسفر عن مقتل 43 شخصا.