سيريا مونيتور
يحاول النظام السوري كسر عزلته الدولية والإقليمية والعربية بأي طريقة ممكنة، وكان ذلك واضحاً من خلال اللقاء الذي جمع رئيس النظام بشار الأسد مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل ماريانو غروسي في آذار الماضي في أول زيارة عالية المستوى منذ عام 1990.
وضم الوفد إلى جانب رئيس الوكالة أعضاء إداريين يزورون سوريا لأول مرة منذ 13 سنة، إبان اندلاع الثورة السورية عام 2011 والعنف الذي انتهجه النظام ما أدى إلى قطع العلاقات معه على مستويات مختلفة.
وناقش الوفد في ذلك اللقاء سبل تجديد التواصل بين النظام والوكالة – بعد تراجعه عام 2013- بخصوص البرامج والمشاريع السلمية المشتركة وأيضاً زيادة الدعم المقدم إلى حكومة النظام بخصوص علاج السرطان.
وأظهر حساب غروسي على منصة “إكس” أنه زار مشفى البيروني في دمشق أيضاً قبل اللقاء ببشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، وأعلن في زيارته عن تزويد مشفيي البيروني وتشرين بالمعدات الأساسية لتحسين اكتشاف السرطان وعلاجه في سوريا.
بطلب من النظام
وقال مصدر مطلع في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن “تلك الزيارة هي بطلب من النظام السوري”.
وأضاف في تصريحه أن أغلب الوفود التي ترسلها الوكالة إلى الدول المختلفة تكون ضمن “استراتيجية التعاون التقني” التي أُعلن عنها عام 1997، وتلزم هذه الاستراتيجية الدول التي تتلقى دعماً وتعاوناً من الوكالة بعدد من الاشتراطات المحددة مسبقاً.
وأردف أن سوريا قبل عام 2011، كان لديها تاريخ طويل من التعاون والعمل المشترك مع الوكالة منذ انضمامها كعضو عام 1963″.
ولفت المصدر قائلاً: “حضرت بنفسي دورتين في مقر هيئة الطاقة الذرية السورية بالعاصمة دمشق قبل عام 2011، ووفد الهيئة يحضر الاجتماعات السنوية العامة للوكالة في العاصمة النمساوية فيينا”.
ومن المهم الإشارة إلى أن زيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى دمشق، والاتفاق على زيادة الدعم
جاء بعد زيارة سابقة لبعثة imPACT (عمليات استعراض البعثات المتكاملة لبرنامج العمل من أجل علاج السرطان) التابعة للوكالة عام 2022، وإقرار الوكالة تقديم دعم للنظام السوري بعد زلزال شباط 2023 بقيمة 1.75 مليون يورو شمل معدات طبية أجهزة محمولة ومتنقلة للتصوير بالأشعة السينية، وأجهزة للاختبار غير المتلف NDT.
اللافت في الحدث أن زيارة غروسي لدمشق هي الأولى بالنسبة لأعلى مسؤول بالوكالة تسعينيات القرن الماضي، والأولى بالنسبة لمسؤولين في الوكالة بعد القطيعة الدولية والإقليمية والعربية مع النظام إثر اندلاع الثورة.
في المقابل كانت آخر زيارة رسمية لدمشق عام 2011 ضمن التحقيق الذي بدأته الوكالة عام 2008 بعد قصف “إسرائيل” لموقع الكبر في ريف دير الزور بشهر أيلول عام 2007 بعد اتهام الاحتلال الإسرائيلي للنظام السوري بتخصيب اليورانيوم في مفاعل نووي سري بالمنطقة.
وفي آذار 2018 اعترف جيش الاحتلال بمسؤوليته عن غارة جوية استهدفت في 2007 منشأة في شرق سوريا، يشتبه بأنها كانت تحوي مفاعلاً نووياً يطوره النظام السوري سراً بالتعاون مع إيران وكوريا الشمالية.
ومن المرجح أن النظام يريد عبر التواصل مع الوكالة وردفها بزيارات ولقاءات أن يكسر عزلته الدولية وفتح قنوات تواصل أوسع مع الدول الغربية من خلال المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة والمسؤولين الدوليين.
وفي سياق ذلك، استبعد الباحث السوري عبد الرحمن السراج تحصيل النظام لفائدة كبيرة من هذه الزيارة وإعادة التواصل بشكل كبير، مبيناً بالقول: “خصوصاً بعد تراجع دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية دولياً بعد قصف إسرائيل لموقع الكبر عام 2007”.
وأضاف السراج أن هذا الدور تراجع أيضاً بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتهديد عدد من المفاعلات النووية الموجودة داخل الأراضي الأوكرانية.
وأكمل “يُحتمل أن تكون إيران هي من تحاول الاستفادة من فتح قنوات تواصل موازية مع المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر النظام السوري في نطاق مفاوضات خفض انتشار الأسلحة النووية وما يتبعها”.
وشهدت العلاقة بين الوكالة وطهران توتراً بداية شهر آذار 2024 بعد اتهام الوكالة لإيران أن نشاطها في تخصيب اليورانيوم ما زال مرتفعاً وأن عليها التعاون معها بشفافية ووضوح بخصوص برنامجها النووي فيما ردت إيران برسالة احتجاجية قالت فيها إن تقييمات الوكالة تستند إلى “معلومات غير مُعترف بها من نظام يتآمر باستمرار ضد علاقات إيران مع الوكالة الدولية”، وتقصد به “إسرائيل”.