سيريا مونيتور..
للمرة الأولى، خرج آلاف السوريين في مدينة حماة وسط البلاد لإحياء ذكرى المجزرة المروعة التي ارتكبها النظام السوري السابق عام 1982. اجتمع المشاركون في ساحة العاصي حاملين الأعلام السورية، مرددين شعارات تطالب بالعدالة للضحايا، بينما شهدت الفعالية عرضًا عسكريًا لقوات الأمن التابعة للإدارة الجديدة في سوريا.
ذكريات تعود إلى السطح بعد سقوط النظام
بعد أكثر من أربعة عقود من الصمت، بدأ الناجون يتحدثون علنًا عن واحدة من أفظع المجازر التي شهدها التاريخ السوري الحديث. حيّان حديد، الذي كان في الثامنة عشرة من عمره عند وقوع الأحداث، هو أحد هؤلاء الناجين الذين قرروا كسر حاجز الصمت. يقول: “لم أروِ قصتي من قبل، لقد كان الأمر محظورًا، لكن الآن يمكننا الحديث”.
إبادة ممنهجة بأوامر من الأسد
في الثاني من شباط/ فبراير 1982، شنّ الرئيس السوري آنذاك، حافظ الأسد، حملة عسكرية لقمع تمرد جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعد محاولة اغتياله عام 1980. قاد شقيقه رفعت الأسد العمليات العسكرية التي استمرت 27 يومًا، وفرض تعتيمًا إعلاميًا تامًا على ما يجري داخل المدينة. التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى تراوح بين 10,000 و40,000 شخص، بينهم مدنيون ومقاتلون.
لم يكن حيّان مرتبطًا بالإخوان المسلمين، لكن صلة عائلته بالقيادي مروان حديد، الذي توفي في السجن عام 1976، جعلته هدفًا للقوات الحكومية. اعتقلته عناصر الأمن إلى جانب 200 رجل آخرين من أقاربه وسكان الحي، وتم اقتيادهم إلى المدرسة الصناعية حيث قضوا ليلة من الرعب. وفي الليلة التالية، تم اختيار أربعين شخصًا، بينهم حيّان، وتم نقلهم إلى مقبرة حيث أُعدموا رميًا بالرصاص. يقول حيّان: “شعرت بالرصاص يلامس شعري، لكنني لم أُصب. سقطت أرضًا متظاهرًا بالموت، ولم يطلق عليّ الجندي رصاصة التثبّت”. تمكن لاحقًا من الفرار إلى منزل عمه، حيث كانت سبع عائلات مختبئة.
مجزرة بلا شواهد.. وشهادات صادمة
كاميليا بطرس، التي كانت مسؤولة القبول في مستشفى حماة الوطني آنذاك، تروي كيف كانت الجثث تُنقل بالشاحنات إلى المشرحة بشكل متواصل، ما يفوق قدرة الطاقم الطبي على التسجيل. تقول: “لم يكن لدينا الوقت حتى لعدّ الضحايا، كثير منهم لم تكن بحوزتهم بطاقات هوية، وتم دفنهم في مقابر جماعية”.
أما بسام السراج، البالغ اليوم 79 عامًا، فيتحدث عن إعدام شقيقيه أمام أفراد العائلة رغم عدم ارتباطهم بالإخوان المسلمين. أحدهما أُعدم أمام زوجته وأطفاله، بينما الثاني قُتل بعد ستة أشهر، ولم يُسمح للعائلة بإقامة جنازة له.
سجن تدمر ومأساة المعتقلين
محمد أمين قطّان، الذي كان يبلغ من العمر 16 عامًا عندما انضم إلى “الطليعة المقاتلة”، اعتُقل عام 1982 وقضى 12 عامًا في سجن تدمر سيئ السمعة. يعترف قطّان بأن جماعته خاضت مواجهة مسلحة ضد النظام، لكنه يشير إلى أن الردّ الحكومي كان انتقاميًا وعشوائيًا. يقول: “ما حدث في حماة لم يكن مجرد قمع لتمرد، بل كان درسًا لبقية المدن السورية حتى لا تجرؤ على التمرد”.
بعد مرور 43 عامًا، لا تزال مجزرة حماة رمزًا للقمع الدموي الذي مارسه النظام السابق ضد معارضيه. اليوم، ومع سقوط حكم بشار الأسد، بدأ السوريون يكشفون تفاصيل ما جرى في تلك الحقبة السوداء، مطالبين بتحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت بحق آلاف الأبرياء.