سيريا مونيتور -دمشق
نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية مقالاً للباحث تشارلس ليستر، مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط، تناول فيه التصعيد الإسرائيلي الأخير في سوريا. وأشار ليستر إلى أن إسرائيل كثّفت عملياتها العسكرية في سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث شنّت 600 غارة جوية خلال عشرة أيام، مستهدفة القواعد العسكرية والبنية التحتية الدفاعية.
التوغل الإسرائيلي والتغيرات الجيوسياسية
وفقاً للمقال، لم تقتصر التحركات الإسرائيلية على الضربات الجوية، بل اجتازت القوات الإسرائيلية الحدود السورية واحتلت المنطقة المنزوعة السلاح التي أُنشئت بموجب اتفاق وقف الاشتباك عام 1974، مما أدى فعلياً إلى إنهاء الاتفاق. وتوغلت إسرائيل 12 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، حيث قامت بزرع الألغام وشق الطرق الجديدة، ما تسبب في نزوح السكان.
كما أوضح ليستر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس دفعا نحو جعل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح بالكامل، مبررين ذلك بحماية السكان الدروز من تهديدات محتملة. وتجلّت هذه السياسة الإسرائيلية في حادثة وقعت في مارس 2025، عندما هددت تل أبيب بتدخل عسكري لحماية مسلحين دروز في ضاحية جرمانا بدمشق، بعد اشتباكات بين ميليشيا درزية محلية وجندي تابع للحكومة المؤقتة.
إنشاء “المجلس العسكري الأعلى للسويداء”
تناول المقال تشكيل ميليشيا جديدة في السويداء تُعرف باسم “المجلس العسكري الأعلى للسويداء”، والذي يضم في قيادته العليا ثلاثة جنرالات سابقين في نظام الأسد، وقد تم تسليحه من مخازن الجيش السوري السابقة. وبحسب مصادر درزية تحدثت للمجلة، فإن هذا المجلس يحتفظ بعلاقات مع إسرائيل عبر الدروز هناك، وقد أثار رفع العلم الإسرائيلي في مركز مدينة السويداء خلال المواجهات الأخيرة جدلاً واسعاً، قبل أن يقوم السكان بإزالته وإحراقه.
تداعيات سقوط نظام الأسد على النفوذ الإيراني
أشار المقال إلى أن سقوط نظام الأسد شكل ضربة استراتيجية لإيران، مما أدى إلى انهيار بنيتها التحتية العسكرية في سوريا. وخلال الأشهر الأربعة الماضية، تمكنت قوات الأمن في الحكومة المؤقتة من اعتراض 18 شحنة أسلحة كانت متجهة إلى حزب الله، إلى جانب تفكيك ثمانية مواقع لإطلاق الصواريخ كانت مرتبطة بإيران.
كما سلّط ليستر الضوء على الجهود الدبلوماسية للحكومة المؤقتة في سوريا، التي تسعى لإقامة علاقات متوازنة مع القوى الدولية، بما في ذلك روسيا، التي لا تزال تحافظ على وجودها العسكري في البلاد.
الدور التركي والتصعيد العسكري المحتمل
كشف المقال عن مقترح عسكري تركي للحكومة المؤقتة يتضمن نشر طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي في قاعدتي الشعيرات وتي فور في وسط سوريا، بهدف فرض السيادة على المجال الجوي السوري. ووفقاً لمسؤول في الحكومة المؤقتة، فإن هذا التحرك يُعتبر تحدياً مباشراً للهيمنة الإسرائيلية الجوية على سوريا. وعلى الرغم من التأثير المحتمل لهذا المقترح، فإن الرئيس المؤقت أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني تريثا في اتخاذ قرار نهائي، لتجنب أزمة قد تؤثر على الاستقرار السياسي في البلاد.
إيران وإسرائيل: زعزعة استقرار سوريا
أشار ليستر إلى أن إسرائيل ليست القوة الوحيدة التي تحاول زعزعة الاستقرار في سوريا، حيث تواجه الحكومة المؤقتة تحديات من جماعات موالية لإيران، بما في ذلك عناصر سابقة من الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري. ووفقاً لمصادر أمنية، شنت هذه الجماعات هجمات متزامنة في اللاذقية وطرطوس، مما أدى إلى اندلاع موجة من العنف في مارس 2025.
وخلال مداهمة لمقار هذه الجماعات، عثرت قوات الأمن السورية على خرائط جديدة التُقطت بالأقمار الاصطناعية، بالإضافة إلى مبالغ مالية بالدولار الأمريكي ومعدات اتصالات متطورة، ما يشير إلى دعم خارجي محتمل.
وأكد المقال أن إدارة ترامب تدرك الفرصة الاستراتيجية التي أتاحها سقوط الأسد، حيث تُمثل هذه اللحظة فرصة لإعادة هيكلة التوازن الإقليمي. وشدد ليستر على أن واشنطن يجب أن تستخدم نفوذها للضغط على إسرائيل من أجل خفض التصعيد العسكري، وإلا فقد تجد سوريا الجديدة نفسها مضطرة للرد، وهو سيناريو قد يؤدي إلى اضطرابات خطيرة.
واختتم ليستر مقاله بالإشارة إلى أن استمرار التصعيد الإسرائيلي قد يجهض أي فرصة لانضمام سوريا إلى اتفاقيات السلام الإقليمية، مثل اتفاقيات إبراهيم، مؤكداً أن تحقيق الاستقرار يتطلب وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية وانسحاب قواتها من الأراضي السورية.