نادر دبو -سيريا مونيتور
تشهد الأسواق السورية منذ أيام موجة جديدة من ارتفاع الأسعار غير المسبوق، بالتزامن مع تدهور متواصل في قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي. إذ ارتفع سعر الصرف خلال فترة قصيرة من حدود 10 آلاف ليرة سورية ليصل إلى نحو 11,700 ليرة للدولار الواحد، ما انعكس فوراً على أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية.
ورغم أن كثيراً من السلع كانت تُسعَّر منذ أشهر على أساس يقارب 15 ألف ليرة للدولار، إلا أن الزيادة الأخيرة شكّلت مبرراً جديداً للتجار لرفع الأسعار، وهو ما ضاعف من أعباء المواطنين المعيشية في ظل ظروف اقتصادية خانقة.
الأسواق في حالة ارتباك
مصادر محلية في درعا أكدت لسيريا مونيتور أن حالة من الفوضى تسود الأسواق، حيث يعمد بعض التجار وأصحاب المحلات إلى تغيير الأسعار بشكل يومي وأحياناً عشوائي، بالاستناد إلى شائعات أو توقعات عن سعر الصرف، بعيداً عن أي نشرة رسمية أو حسابات واقعية للتكلفة.
أحد أصحاب المحلات قال:
المواطن لم يعد يشتري كما في السابق. اليوم إذا جاء زبون ليأخذ كيلو رز أو سكر، غالباً يكتفي بنصف الكمية أو يستغني عنها. حتى المواد الأساسية باتت تُشترى بالقطعة، وهذا يوضح حجم الأزمة المعيشية”.
أسعار المواد الغذائية تقفز
في هذا السياق، أوضح سالم أحمد أبو شنب من مدينة درعا في تصريح لسيريا مونيتور:
سعر كيلو السكر ارتفع من حوالي 8 آلاف إلى 11 ألف ليرة، بينما قفز سعر لتر الزيت النباتي من 13 ألفاً ليقترب من 19,500 ليرة”.
وأضاف أبو شنب:
خلال فترة سابقة، عندما كان سعر الدولار بحدود 20 ألف ليرة في ذروة الأحداث، كان لتر الزيت يباع بـ 20 ألفاً. أما اليوم، ورغم أن سعر الدولار لم يصل لذلك المستوى بعد، يباع الزيت بـ 19,500، وكأن السوق يسعّر على أساس أن الدولار 20 ألف ليرة، وهو أمر غير منطقي”.
تلاعب بين الجملة والمفرق
من جانبه، قال التاجر تحسين القزاز، وهو موزع جملة للمواد الغذائية:
الكثير من أصحاب المحلات رفعوا أسعارهم مباشرة بعد سماعهم بارتفاع سعر الصرف، حتى على البضائع القديمة لديهم، دون العودة إلى نشرات الأسعار الحقيقية التي نبيع وفقها”.
وأشار القزاز إلى أن الارتفاع الفعلي يقتصر على المواد المستوردة بالدولار مثل السكر والزيت والأرز والشاي، بينما أسعار الجملة بقيت شبه مستقرة.
وضرب مثالاً قائلاً:
كيس السكر (50 كغ) سعره نحو 30 دولاراً، أي ما يعادل 345 ألف ليرة، لكن بعض المحلات يبيعونه بما يعادل 550 ألف ليرة، أي حوالي 50 دولاراً، وهو فرق كبير لا يعكس الواقع”.
الرواتب تلتهمها الأسعار
أما الموظف جمعة أبو العبد من درعا، فأوضح لسيريا مونيتور:
الزيادة التي أُقرت على الرواتب بنسبة 200% اختفت قبل أن نشعر بها، لأن التجار التهموها برفع الأسعار. الارتفاع الأخير من 10 آلاف إلى 11,500 ليرة للدولار غير مبرر، خاصة أن التجار يبيعون أصلاً مع هامش أمان يغطي تقلبات الصرف”.
وأضاف أبو العبد منتقداً غياب الرقابة التموينية:
صار لنا سنة على سقوط النظام المخلوع، ومع ذلك لم نرَ أي دوريات تموينية تضبط الأسعار. المواطن اليوم بحاجة لرقابة حقيقية تحميه، وليس لمهرجانات وخطابات. الناس تريد أن تعيش وتأكل وتشرب، لا أكثر”.
أزمة معيشية متشابكة
وأشار أبو العبد إلى أن المشكلة لم تعد محصورة بغلاء الأسعار فقط، بل باتت مرتبطة أيضاً بأزمات خدمية متفاقمة:
الكهرباء أسوأ من قبل، المياه مقطوعة وغالية، الدواء يرتفع أكثر، والخبز يُباع بأسعار سياحية وجودة رديئة. المواطن استسلم لكثير من التراجع، لكن الأوضاع لم تعد تحتمل، ولن يبقى الناس صامتين إلى الأبد”.
اليوم، تعيش الأسواق السورية حالة من الاضطراب العميق، وسط غياب شبه تام للرقابة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، واستمرار انهيار الليرة. وبين جشع بعض التجار وتقصير الجهات الرسمية، يبقى السؤال: هل ستتحرك الحكومة لضبط الأسواق وتخفيف المعاناة، أم أن الانفجار الاجتماعي بات أقرب مما يُظن؟