أنيس حمدون
السماء زرقاء، إنني أمزح، هي رمادية كما العادة هنا في برلين. استيقظ على سريري بنفس الشكل الجسدي الذي كنت عليه البارحة، أي أنني لست في حلم كافكاوي غريب. في الحقيقة كل يوم استيقظ فيه أتوقع أن أرى نفسي قد تحولت لكائن من خيال كافكا، ذي أطرافٍ كثيرة وظهر مقوس صلبٍ كظهر حشرة سريعة، ولكنني اليوم لم استيقظ بذلك الظهر المقوس القاسي، بالعكس تماماً فما زال ظهري مستقيماً على الرغم من أننا في عام 2040، تخيل يا رعاك الله أننا في عام 2040 وما زلنا نستيقظ ولم نتحول لروبوتات لا تنام.
اليوم أشعر أنه يوم بشع، كما نتوقع من كل يوم أن يكون باعتبار أننا ولدنا سوريين، نعم ما زلنا نطلق على أنفسنا لقب سوريين مع أن البلد لم يعد موجوداً كما نعرفه، شيء يشبه السوريين الذين هاجروا للبرازيل في نهاية القرن التاسع عشر وبعدها فوجئوا بأن بلدهم أصبحت أصغر واسمها لبنان. وقد استمر آخرون باستخدام اسم سوريا، أليس هذا شيئاً كافكاوياً بحياة أمك؟
المهم أن اليوم الذي توقعته أن يكون بشعاً تحقق، كما العادة. فقد تجلى، نعم اليوم البشع أيضاً يتجلى، أنني أصبحت وحدي كلياً، لا أعني أني وحيد دون أولاد أو معارف، بل شيء آخر.
رسالة وصلت إلى جهازي المحمول في شريحة في دماغي من صديقي يقول لي وداعاً.
لقد رحلا صديقيْ الأخيران من برلين، م. و ز.، لقد عادا إلى تلك المنطقة التي ولدنا كلنا فيها. هذا اليوم البشع الذي كنت أتوقعه أن يتجلى، كما قلنا فاليوم البشع يتجلى، قد أتى وأصبح واقعاً.
كنت أستيقظ كل يومٍ مع فكرة تقول إن الجميع في نهاية المطاف سيعودون إلى سورية الأسد، نعم هكذا أصبح اسمها رسمياً: دولة سورية الأسد الخاصة.
تخيلوا معي، نعم ما زلنا نستطيع أن نتخيل في عام 2040، أن كوريا الشمالية انضمت لكوريا الجنوبية وأصبحتا دولة ديمقراطية في حين أن الجمهورية السورية استمرت تحت ملك عائلة الأسد إلى الجيل الرابع، نعم الرابع لأن انقلاباً حدث بين الحفيد وابن أخيه، لذلك هو الرابع. الرابع يا ناس، رابع، رابع، رابع، رابع.
الحلبية هم حلبية ولا يكونون حلبية دون حلب، فعادوا، أما أهل مدينة السلمية فلم يستطيعوا أن يكونوا شعراءً دون المدينة، فعادوا. المثقفون برروا عودتهم ومصالحتهم مع دولة سورية الأسد، بالتاء المربوطة، بأن البلد يحتاجهم وعليهم أن يلبوا النداء، فلبوا. كثيرون تعبوا من الـ Der و الـDie و الـ Das، وأنا أفهمهم، فعادوا. الممثلون ملوا من لعب دور اللاجئ والأجنبي والمجرم، فلبوا النداء.
بعضهم لم يتحمل أن يموت أهله دون وداعهم، آخرون لم يتحملوا الصراع الحموي الحمصي على حلاوة الجبن، الشوام تعبوا من عدم جدوى وصف أنفسهم بأنهم من “جواة السور” باللغة الألمانية لأناس ملوا من الأسوار، فعادوا إليها
في الحقيقة كل هذا الأسباب اخترعتها لأبرر لهم عودتهم أو حتى لا أبرر لهم عودتهم، المهم أنهم لبوا النداء وعادوا. النداء كان ظريفاً جداً، مسامحة كاملة عن كل كلمة في حق الأسد الأول والثاني والثالث والرابع، مسامحة عن كل كلمة قيلت في حق أردوغان، أوجلان، البرزاني الأول والثاني والثالث، حزب الله، السيسي الأول والثاني، صدام الأول والثاني مكرر، وكل الحكام وأولادهم وأطفالهم الشرعيين وغير الشرعيين، أحفادهم، وأصدقاء أولاد يلي خلفوهم.
التسوية: وهو مصطلح يتردد داخل الأروقة السورية المظلمة منذ منتصف عام 2011 حتى هذه اللحظة عام 2040. كلمة بالنسبة لمن لم يولد في سوريا/ة لا تعني ربما سوى تسوية الرمل أو السرير، أما في سوريا/ة فهي تعني الكثير…اعتذر عن آخر قافية بالصدفة والله.
المصدر: رصيف22
https://raseef22.net/article/1080271-%D8%B5%D8%A8%D8%A7%D8%AD-%D9%85%D8%AE%D9%8A%D9%81-%D8%AC%D8%AF%D8%A7-%D8%A5%D9%86%D9%87%D8%A7-2040-%D9%88%D9%84%D9%85-%D8%AA%D8%B2%D9%84-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF