بين النفي والشائعات.. هل يصلح مطار المزة بدمشق لإقامة قاعدة أميركية؟

حنين عمران

أثار التقرير الذي نشرته “رويترز” قبل أيام حول إقامة قاعدة عسكرية جوية في دمشق اعتماداً على 6 مصادر، موجة من الانتقادات والتساؤلات بين النفي والإنكار والتكهنات حول موقع القاعدة وأسباب وجودها.

التقرير الذي نفاه “مصدر مسؤول” في وزارة الخارجية، ينطوي على كم من المعلومات التي يمكن قراءتها مرتين وثلاث، والوقوف عندها، ولا سيما أن التقرير يذكر طلب مسؤول في الإدارة الأميركية حذف اسم القاعدة وموقعها من التقرير؛ ليبقي المحررون بعد ذلك على جملتين تشيران إلى موقع غير دقيق للقاعدة “عند مدخل المناطق الجنوبية من سوريا” و”أميركا تستعد لترسيخ وجودها العسكري في قاعدة جوية بدمشق”.

بين التسريبات والتوقعات

بينما تتضارب التوقعات حول موقع القاعدة الجوية الأميركية، أُطلقت شائعات حول إقامة القاعدة في مطار المزة العسكري، الواقع جنوب غربي العاصمة دمشق، والذي يبعد عن وسط العاصمة دمشق قرابة 5 كم.

وأثارت هذه التوقعات استياء وغصب البعض؛ لكون المطار كان في زمن النظام يضمّ معتقلاً مؤلفاً من ثلاثة سجون: سجنان للرجال وسجن للنساء، وهو ما دفع البعض إلى الحديث عن وجود مقابر جماعية في منطقة المطار وفي محيطه. أما السبب الثاني للاستياء فهو قرب موقع المطار من مناطق تعرضت لقصف عنيف من النظام المخلوع خلال سنوات الثورة السورية، وتحديداً داريا والمعضمية، والتي تضم عدداً كبيراً من المقابر الجماعية غير المكتشفة بعد.

وعلى الجانب الآخر، وبين المزح والجد، تناول بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي الخبر بالحديث عن غلاء أسعار الأراضي والعقارات هناك، والمبالغ التي قد تدفعها الحكومة السورية أو أميركا كتعويضات للأهالي.

وفي الوقت الذي نفت فيه وزارة الخارجية الخبر من خلال “مصدر مسؤول” ومجهول، ما سمّته “مزاعم رويترز” وفق الإخبارية السورية، فإن تسريبات حصل عليها موقع تلفزيون سوريا، من مصدر في وزارة الدفاع، تشير إلى مواقع أخرى محتملة لتعزيز الوجود الأميركي في سوريا، وتحديداً مطار خلخلة العسكري (المؤلف من مدرجين 3 كم – و2.8 كم) بريف السويداء، أو اللواء 29 نقل جوي والواقع ضمن أراضي مطار دمشق الدولي في جنوب شرقي العاصمة، أو مطار الثعلة العسكري بريف السويداء الغربي (مدرجين بطول 3 كم)، أو اللواء 15 في شمالي درعا.

ونفى المصدر نفسه أن تُقام قاعدة جوية في مطار المزة العسكري كما أشيع وذلك لأسباب تحدث عنها تتعلق بسيادة الدولة، وكون إقامة قاعدة أو مركز تنسيق في الجنوب أفضل من ناحية ضمان الحدود وضمان اتفاق السويداء لاحقاً.

 

ماذا عن مطار بْلَي؟

عند الحديث عن تعزيز الوجود الأميركي العسكري في سوريا، وبافتراض صحة تقرير رويترز عن كون ذلك سيكون في الجنوب السوري وعلى تخوم العاصمة، فإنَّ الأصابع تتجه إلى مطار خلخلة الواقع شمالي السويداء.

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أوضح الخبير العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي، أوضح أن الاحتمال الأكبر هو نقل غرفة عمليات التحالف الدولي من الجزيرة إلى جنوبي البلاد بدلاً من الإبقاء عليه في مناطق سيطرة “قسد”، وبذلك تؤسس أميركا لوجود شرعي لها بالقرب من العاصمة السورية بالاتفاق مع الحكومة.

ورجّح وعلى عكس التوقعات والتسريبات، أن يُستَخدم مطار بلَيْ لهذه الغاية، ويقع المطار في جنوب العاصمة دمشق على 45 كم منها، ويضم مهبطاً وحيداً للطائرات؛ وهو ما يتقاطع مع ما أورده تقرير رويترز عن تأسيس وجود أميركي في جنوبي سوريا.

مطار بلي - محيط العاصمة دمشق (تلفزيون سوريا)
مطار بلي – محيط العاصمة دمشق 

ونفى العكيدي استخدام الألوية العسكرية لهذه الغاية؛ كونها تفتقر إلى شروط إقامة “قاعدة جوية” ولا سيما مع وجود مطارات عسكرية قابلة للاستخدام من دون الحاجة إلى التأسيس من الصفر، إلا في حال استُخدمت هذه الألوية لإقامة غرفة عمليات أو نقطة مراقبة أو مركز تنسيق.

يقول العكيدي لموقع تلفزيون سوريا “كان مطار بلي الواقع جنوب العاصمة يضم مكاناً مخصصاً لهبوط طائرات حربية مثل ميغ 23 وسوخوي 22، كما أن مطار خلخلة مرجَّح لكونه واقع في جنوبي البلاد ويضم تجهيزات فنية ولوجستيات أفضل من غيره، مع يحتاج إلى الصيانة ودعم فني وملاحي وغير ذلك”.

كما أن استخدام اللواء 29 بالقرب من مطار دمشق الدولي لهذه الغاية في حال كان الهدف هو قاعدة جوية، هو احتمال ضئيل؛ لكون ألوية الدفاع الجوي كانت مهمتها حماية المطارات وهذه الألوية عموماً لا تضم مدارج بل منصات إطلاق صواريخ ورادارات، بينما تحتاج القواعد الجوية وجود مدارج بطول 3 كم وسطياً.

نقطة تخديم لوجستي لا قاعدة جوية

على الرغم من أن تقرير رويترز تحدث صراحةً عن “قاعدة جوية في دمشق” إلا أن المعطيات السياسية الأمنية والعسكرية، وبمعزل عن تصريحات وزارة الخارجية، تشير إلى ضآلة احتمالية تنفيذ الفكرة.

كما أن القول بإقامة قاعدة يستوجب شروطاً ويحمل تَبعات، كوجود مركز قيادة وتنسيق، وشروط فنية وتجهيزات مثل الرادارات ومضادات طائرات “منظومة دفاع جوي”، وحظائر لأسراب الطائرات، ونقطة تذخير ونقاط هبوط وإقلاع، ومدارج جاهزة، وخزانات وقود… وغير ذلك.

أشار الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية عمار فرهود، إلى أنَّ القاعدة الجوية تحتاج إلى توصيف قانوني تُقام على أساسه، على عكس نقاط التخديم اللوجستي، والتي من الممكن أن تضم مكتب ارتباط أميركي سوري.

ورجَّح فرهود إقامة نقطة بهذا الشكل من أجل التنسيق العسكري وتنفيذ العمليات، كأن تهبط الطائرات القادمة من قاعدة التنف مثلاً في هذه النقطة من أجل تنفيذ عملية ما، وبعد الانتهاء تقلع الطائرات باتجاه التنف مرة أخرى، وإذا كان الأمر سيتم بهذه الطريقة فلا تُسمى هذه “قاعدة جوية”.

وعن الأسباب الأمنية لنفي وجود “قاعدة جوية” في قلب العاصمة دمشق؛ أي في مطار المزة العسكري تحديداً، أوضح فرهود أن “البيئة الأمنية” غير ملائمة لذلك؛ ولا سيما مع احتمالات استهداف القاعدة بعد تأسيسها وبالتالي استهداف دمشق؛ ما سيزعزع أمنها واستقرارها.

أما الأسباب العسكرية التي تنفي ذلك، فمردّها إلى أن عدداً من القواعد الجوية موجودة أصلاً، وهي قواعد غير بعيدة ومن الممكن استخدامها لتنفيذ العمليات والضربات الجوية، كقاعدة الأزرق الجوية في الأردن، وقاعدة التنف في الجزيرة، وقاعدة عين الأسد في العراق، والقواعد الجوية في تركيا وإسرائيل.

ماذا عن التحركات في مطار المزة؟

شهد مطار المزة نشاطاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة لطائرات هبطت فيه، وهو ما جعل الأهالي في محيط المطار وبعض الوسائل الإعلامية تربط ذلك بتأسيس قاعدة جوية أميركية داخله، ولا سيما بعد تقرير رويترز.

مصدر في وزارة الدفاع السورية أكّد أن النشاط داخل مطار المزة مرتبط باستقبال وفود دبلوماسية وعسكرية بطائرات حطّت في مطار المزة، مشيراً إلى أن هيئة الأركان نفت استخدام المطار لإقامة قاعدة.

من جانبه، أشار الباحث عمار فرهود في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن هبوط طائرة أو إقلاعها من مطار ما، ليس مقياساً على استخدامه كقاعدة، كما أن معظم الطائرات التي شاهدها الناس هي طائرات عسكرية لوفود كردية دبلوماسية جاءت إلى دمشق. ويعد مطار المزة، هو المطار الأقرب إلى قلب العاصمة مقارنةً بمطار دمشق الدولي.

 

أثر ذلك في “السيادة”

تتالى الأخبار المتعلقة بتعزيز وجود أميركا عسكرياً في المنطقة بالتزامن مع تكثيف تحركاتها في سوريا كحالة من “إعادة التموضع العسكري والسياسي”، ولا سيما بعد خسارة إيران لعدد كبير من قواعدها ومواقعها في سوريا بعد سقوط النظام.

وتحمل فرضية إنشاء قاعدة جوية أو نقطة لوجيستية أو غرفة عمليات في قلب العاصمة ومحيطها -إذا تم الأخذ بصحتها- دلالات حول الشكل الذي تأخذه العلاقات السورية الأميركية، مع المفاوضات المستمرة لرفع العقوبات عن سوريا بشكل كامل، وانضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.

أوضح الباحث في الشؤون السياسية مالك الحافظ، لموقع تلفزيون سوريا، أن وجود قوة خارجية في العاصمة أو محيطها لا يلغي السيادة بالكامل لكنه يقيدها في القطاعات التي تشمل الحركة الجوية والاستخبارات، لتكون النتيجة بنية حكم مركبة.

واعتبر الحافظ أن السيادة ضمن هذا الإطار ستتحول إلى مستوى وظيفي، لأن التحكم الفعلي ينتقل من الجغرافيا إلى القدرة على الإدارة، يقول: “إن ترسيخ الوجود العسكري الأميركي قرب دمشق يعني أن الولايات المتحدة تعمل ضمن نموذج “إدارة المخاطر” وليس “إعادة تشكيل الدولة”. أي أنها تضع أدوات مراقبة وليس أدوات نفوذ شامل”.

وبينما يجزم البعض بالأثر السلبي لذلك في السيادة السورية وسلب العاصمة قرارها السياسي، أشار الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية ضياء قدور، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن هناك مبالغةً وتهويلاً فيما يتعلق بتوصيف السيادة عند الحديث عن الوجود العسكري الأميركي في سوريا؛ ولا سيما أن سوريا خارجة من أزمة أكثر من عقد من الزمن وفاقدة للسيادة منذ زمن النظام المخلوع وممزقة جغرافياً.

يقول قدور “تخلصت سوريا من مئات المواقع العسكرية والأمنية الروسية والإيرانية بعد سقوط النظام، ووجود قاعدة أو نقطة بقبول الحكومة السورية لا يعدّ مشكلة بل يمكن اعتباره انتصاراً على المدى القريب، ولا سيما أنه يضفي طابعاً مؤسساتياً رسمياً بين سوريا وأميركا”.

سيمنح ذلك بالضرورة ارتياحاً للأطراف التي لا تزال على “عدم وفاق” مع الحكومة السورية، ولا سيما في السويداء وشمال شرقي سوريا، مع استمرار مطالبهم بالتدخل الأميركي، وهو ما يعني تضييق فجوة الثقة من خلال الضمانات الأميركية.

ويؤكد الباحث مالك الحافظ أن الوجود الأميركي يقلل من احتمالات التوترات الداخلية، كما يمكن أن يخلق بيئة أمنية أكثر استقراراً على المدى القصير.

يقول “يتوقف كل شيء على حجم الوجود ونوعه؛ فغرفة عمليات صغيرة تعني تأثيراً محدوداً، أما قاعدة جوية كاملة تعني تأثيراً أعلى على المجال الجوي، والفرق بينهما يحدد عمق التغيير في موازين القوة، على المدى البعيد”.

ولا يزال شكل الوجود العسكري الأميركي في قلب العاصمة أو محيطها غير محدد في ظل التكتم من الطرفين الأميركي والسوري، وبينما يمثل هذا الوجود تحدياً مباشراً لمحاولات إيران للتمدد من جديد في سوريا، ورسالة ضمنية لروسيا، إلا أنه في المقابل، يطرح تساؤلات حول شرعية الوجود الأميركي في الأراضي السورية ومآلاته على المدى البعيد.

نقلاً عن تلفزيون سوريا

Read Previous

الشيباني يتوجه إلى المملكة المتحدة لإجراء مباحثات مع مسؤولين بريطانيين

Read Next

قوات الأمم المتحدة ترفع علمها مجددًا فوق تل الأحمر الشرقي وتستحدث قاعدة جديدة غرب كودنة

Most Popular