ذكرت صحيفة واشنطن بوست، إن تصاعد العنف في مدينة درعا السورية الاستراتيجية يكذب ادعاء أسد بأنه في موقع السيطرة، حيث اندلعت أعمال عنف في الأسابيع الأخيرة في المدينة الواقعة جنوب البلاد تطورت في بعض الأحيان إلى اشتباكات بين ميليشيات أسد والفصائل المعارضة سابقاً، وسط موجة من الاغتيالات، مما يكشف عن الصعوبة التي يواجهها بشار أسد في الحفاظ على سيطرته على المناطق التي يقول إنه عمل على تهدئتها.
وتعتبر مدينة درعا الجنوبية الغربية مهد الثورة السورية، لأنها المكان الذي اندلعت فيه أول مظاهرة مناهضة لحكومة أسد عام 2011. وبعد سبع سنوات، بعد أن تحولت الاحتجاجات السلمية إلى “حرب أهلية” مدمرة، استعادت ميليشيات أسد المدعومة من روسيا السيطرة على درعا، واستحدثوا برنامج “المصالحة” مع المقاتلين في الفصائل المعارضة.
لكن “المعارضة” استمرت في الاشتعال في درعا، حتى عندما نقلت ميليشيات أسد معركتها إلى جبهات أخرى. وأصبحت الاضطرابات في الأسابيع الأخيرة أحدث تحد لسلطة أسد، التي كانت تتعرض بالفعل لضغوط من أزمة اقتصادية خانقة وتزايد الخلافات داخل صفوف حلفائه التقليديين.
وكانت التوترات تصاعدت في درعا الشهر الماضي بعد أن هاجم مسلحون سيارة قيادي بارز في المعارضة استمر في التعبير عن معارضته لحكومة أسد حتى بعد استعادة ميليشيات الأخير السيطرة على المنطقة، حيث قُتل القائد السابق، أدهم الكراد، وأربعة من مرافقيه، ما أثار أسابيع من العنف، بحسب تقارير إعلامية معارضة أكدتها جماعات مراقبة ومحللون ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكرت صحيفة “الوطن” الموالية لحكومة أسد قبل أسبوعين أن أسد وافق تحت الضغط على إطلاق سراح 62 شخصاً. تم اعتقالهم بسبب “حوادث في المحافظة”.
لكن بعد أيام، توغلت الفرقة الرابعة التابعة لميليشيات أسد، والتي يرأسها شقيق الأسد ماهر شقيقه، إلى جنوب درعا بحثاً عن مطلوبين، مما أدى إلى اشتباكات مع مقاتلين سابقين في المعارضة، قاموا لاحقًا بإغلاق الطرق المؤدية إلى المدينة لمنع تقدم هذه الميليشيات، وذكرت وسائل إعلام معارضة بعد أيام، أن نقطة تفتيش تابعة للمخابرات الجوية في بلدة قريبة هوجمت، مما دفع الفرقة الرابعة لمحاولة اقتحام درعا وإشعال معركة مع مقاتلي الفصائل السابقين.
هذا الشهر، قُتل ما لا يقل عن تسعة من الثوار السابقين الذين وافقوا على الانضمام إلى ميليشيات أسد وسبعة آخرين عادوا إلى الحياة المدنية، بحسب محمد الشرع، عضو مكتب توثيق شهداء درعا. وكان المهاجمون مجهولين، مع الاشتباه بدورهم في سعي ميليشيات أسد لتصفية حسابات مع خصوم سابقين.
ووفقاً للصحيفة، غالباً ما تكون المعلومات الموثوقة حول التطورات في سوريا نادرة، بسبب الضوابط “الحكومية” الصارمة على وسائل الإعلام والخوف المنتشر من الدولة البوليسية، لكن مكتب التوثيق، وهو مجموعة مراقبة مقرها بلجيكا، سعى إلى تأريخ الحصيلة المتزايدة، حيث أفاد بأن 193 من مقاتلي المعارضة السابقين الذين ألقوا أسلحتهم قتلوا في درعا منذ أن استعادت ميليشيات أسد استيلائها على المدينة في يوليو 2018، وبوتيرة متسارعة فإن عمليات القتل تتزايد كل عام. وذكرت المنظمة أن أكثر من 200 مدني آخرين قتلوا بعضهم تحت التعذيب.
هذه المشاكل لا تشير بأي حال من الأحوال إلى أن “الحرب الأهلية” تنقلب على الأسد. فقد استعادت ميليشياته الكثير من الأراضي التي فقدها في ذروة الثورة، والآن يتم تكديس مقاتلي المعارضة في جيب واحد مُتبقٍ في شمال غرب سوريا. ولا يوجد أي منافس آخر واضح على رئاسة البلاد التي تحكمها عائلة أسد لمدة 50 عاماً.
لكن الاضطرابات في درعا تأتي في وقت يواجه فيه أسد أكبر التحديات لسلطته منذ أن ثار السوريون ضده لأول مرة في عام 2011، بما في ذلك التوترات على مدار العام الماضي داخل أسرته ومع حلفائه الروس المهمين.
كما أدى العنف في درعا إلى تآكل الصورة التي حاول أسد تصويرها وهو يحث السوريين الذين فروا من البلاد على العودة إلى ديارهم في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة. لقد وعد بعدم إلحاق الأذى بالعائدين. لكن العديد من اللاجئين السوريين ما زالوا متشككين على علم بالتقارير التي تفيد بأن بعض الذين عادوا قد اختفوا أو ماتوا في الحجز.
وخلال مؤتمر دولي في دمشق هذا الشهر، ناقش المسؤولون في حكومة أسد الخطوات التي اتخذوها للترحيب باللاجئين العائدين وألقوا باللوم على وسائل الإعلام العربية الإقليمية في رسم صورة سلبية للغاية.
قال عبد الله الجباسيني، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، إن “النصر العسكري المعلن لحكومة أسد والعودة المادية لمؤسساتها لا يعني استعادة الأمن والاستقرار. الوضع في درعا يتعارض مع رواية” في إشارة إلى “عودة الدولة المثالية”.
قال جباسيني إن حكومة أسد لا تستمر فقط في مواجهة معارضة عنيفة، لكنها لم تظهر بعد أنها تستطيع ممارسة سيطرة حقيقية على الأراضي التي استعادتها. وأشار إلى أن الاضطرابات المستمرة في درعا تغذيها مجموعة من العوامل، بما في ذلك المظالم التي لم يتم حلها وتصفية الحسابات، والعدد الكبير غير المعتاد من الثوار السابقين، ووفرة الأسلحة المتاحة، والغضب المحلي من وجود مقاتلين من الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني المتحالف مع الأسد.
وتتجاوز أهمية درعا “الرمزية” (أي رمزيتها في ثورة السوريين)، حيث تقع المدينة شمال الحدود السورية مع الأردن، وتحتوي على معبر حدودي استراتيجي، إذ أنه وبعد شهرين من استعادة ميليشيات أسد السيطرة على المدينة، أعادت الحكومة فتح المعبر أمام كل من الناس والتجارة، سعياً لاستعادة طريق تجاري مربح للغاية سريعاً، بعد أن تم إغلاقه لعدة سنوات.
وكانت المعركة التي دامت أسابيع حول درعا شرسة بشكل استثنائي. بعد هزيمة المعارضة، اختار بعض الثوار حزم أمتعتهم في الحافلات الخضراء سيئة السمعة التي أرسلتها حكومة أسد لنقلهم وعائلاتهم إلى إدلب، وهي منطقة يسيطر عليها الثوار في شمال غرب سوريا.
المقاتلون الآخرون اختاروا البقاء. وافق البعض على اتفاقيات المصالحة، وانضم العديد منهم إلى الفيلق الخامس الذي ترعاه روسيا، والذي تم إنشاؤه ظاهريًا لمحاربة “الدولة الإسلامية” لكن بعد فترة وجيزة، أعلنت حكومة أسد عن إبرام نحو 1000 صفقة مصالحة في درعا في يوم واحد.
وقد روجت وسائل الإعلام الموالية لحكومة أسد لصفقات المصالحة هذه، قائلة إنها “تحافظ على الدم وتعيد أولئك الذين ضلوا طريقهم إلى أحضان الوطن”، ولكن على عكس بعض المناطق الأخرى التي تمت استعادتها في سوريا، حيث تم عرض هذه الاتفاقيات على مقاتلين سابقين، فإن الصفقات في درعا لم تضع حداً للمقاومة وظل العديد من قادة ومقاتلي الفصائل السابقين يتحدون حكومة أسد علانية.
وكان الكراد، زعيم في الفصائل الذي اغتيل الشهر الماضي، أحد هؤلاء القادة، حتى بعد سقوط المدينة، واصل الحديث عن الثورة وانتقد إيران وروسيا، أكبر داعمي الأسد.
نحن معارضون من المدينة التي هي مهد الثورة. وقال في منشور على فيسبوك بعد أن نجا من محاولة اغتيال العام الماضي: “استسلمنا للمصالحة تحت ضغط دولي ولم نتخل عن قضيتنا”.
عند وفاته، ترك وراءه ابناً يبلغ من العمر عاماً واحداً اسمه صلاح الدين. كتب الأكراد على فيسبوك، أنه يأمل أن يسمح الله لابنه بتقليد القائد الإسلامي الأسطوري الذي حارب الصليبيين في القرن الثاني عشر.