بلقيس دارغوث
نيكولاس سلاتن وبول سلاو وإيفان ليبرتي وداستن هيرد، أسماء موظفين سابقين في شركة بلاك ووتر، إحدى أخطر شركات الأمن الخاصة في العالم. في عام 2007، ارتكب هؤلاء الأربعة مجزرة أفضت إلى مقتل 17 مدنياً عراقياً، بينهم أطفال ونساء، في شوارع بغداد بلا سبب، والآن أصبحوا طلقاء أحرار بعدما عفا عنهم الرئيس دونالد ترامب.
حُكم على سلاتن بالسجن المؤبد بعد إدانته بجريمة القتل العمد في ما يتعلق بإطلاق النار عام 2007 على مدنيين عزل في ساحة النسور بالعراق. كما أُدين كل من سلو وليبرتي وهيرد بتهم القتل العمد واستخدام الأسلحة مع أحكام أخف بعد سنين من المحاكمة التي قسمت الرأي العام الأمريكي وتطلبت تدخُّل جو بايدن شخصياً.
ولكن بعد 13 عاماً على ارتكاب الجريمة التي أثارت احتجاجات حتى في أمريكا ضد استخدام المرتزقة بالحرب، منحهم دونالد ترامب في 23 ديسمبر/كانون الأول 2020، عفواً كاملاً.
انتقدت الأمم المتحدة بشدةٍ قرار ترامب، وحذَّر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من أن العفو من شأنه أن يشجع الآخرين على ارتكاب جرائم مماثلة.
بدايةً، ماذا حصل في ساحة النسور؟
في ظهيرة 16 سبتمبر/أيلول 2007، كان المدانون الأربعة سابقاً جزءاً من قافلة مدرعة تقل شخصية حكومية، عندما فتحوا النار وبطريقة عشوائية وغير مبررة وأطلقوا القنابل اليدوية على المارة، حسبما أكد ممثلو الادعاء أثناء المحاكمة.
أما محامي المتهمين فزعموا أنهم ردوا بإطلاق النيران بعد تعرضهم لكمين مسلح.
لكن الحكومة الأمريكية أقرت بأن المدنيين لم يشكلوا “تهديداً” للقافلة يستدعي إطلاق النار، وشارك في المحاكمة أقارب الضحايا، منهم محمد الكناني الذي قُتل ابنه ذو الـ9 سنوات.
وأقر عقيد متقاعد في الجيش الأمريكي بأن ما وصفها بالمذبحة كانت “استخداماً مفرطاً للغاية للقوة” و”غير مناسب تماماً لكيان وظيفته الوحيدة وهي توفير الحماية الشخصية لشخص ما في عربة مصفحة”.
وتمت إدانة كل من سلاو وليبرتي وهيرد عام 2014 في 13 تهمة قتل غير عمد و17 تهمة محاولة القتل غير العمد.
أما قناص المجموعة سلاتين الذي كان أول من فتح النار، فقد أدين بجريمة القتل العمد، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. فيما صدر على كل واحد من البقية حكم بالسجن لمدة 30 عاماً.
ورفض قاضٍ فيدرالي الاتهام الأول؛ مما أدى إلى حالة غضب بالعراق، لكن نائب الرئيس حينها، جوزيف بايدن، وعد بمتابعة تحقيق جديد دعمه القضاة.
وبعد صدور الحكم عليهم قال مكتب المدعي العام الأمريكي في بيان له، إن “مدى الخسارة الإنسانية التي لا داعي لها والمعاناة الإنسانية التي تسبب بها السلوك الإجرامي للمتهمين في 16 سبتمبر/أيلول 2007، كان مذهلاً”.
هذه الفضيحة أثارت وقتها اهتماماً وطنياً أمريكياً بعدد القوات الخاصة المستخدمة في العراق، وأثار قضايا تتعلق بالشرعية والمساءلة والرقابة.
وقد أثيرت أسئلة حول ما إذا كان هؤلاء المقاولون (المتعاقدون) أو المرتزقة قد ساعدوا أو أضروا بمكانة البلاد ومهمتها في العراق، وما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة الاعتماد على الشركات الخاصة لخوض الحرب وكسبها.
وفي عام 2008، أعلنت “بلاك ووتر” Blackwater أنها ستبدأ تركيز خدماتها بعيداً عن التعاقدات الأمنية، بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر، فغيرت اسمها من بلاك ووتر إلى أكاديمي Academi، وتنحى مؤسسها إريك برينس عن إدارتها.
خدمة للوطن أم قتلٌ بدم بارد؟
أسست عائلات القتلة الأربعة موقعاً اسمه supportraven23.com، وتتم الإشارة إليهم على أنهم “رجال بايدن الأربعة”.
وتزعم العائلات أنه تمت “التضحية” بهم وزجُّهم بالسجن لأهداف سياسية من قِبل وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ونائب الرئيس آنذاك جو بايدن.
ومنذ إصدار قرار سجنهم، يطالب أهاليهم بإطلاق سراحهم، لما اعتبروه “تخلّياً عن خدماتهم لوطنهم في العراق”.
قتلة بلاك ووتر الذين عفا عنهم ترامب
نيكولاس سلاتن (سبارتا، تينيسي)، خدم أربع سنوات في الجيش الأمريكي (رقيب)؛ تم إرساله إلى العراق.
داستن هيرد (ماريفيل، تينيسي)، خدم أربع سنوات في سلاح مشاة البحرية الأمريكية (عريف)؛ تم إرساله إلى العراق وأفغانستان والكويت والبحرين.
إيفان ليبرتي (روتشستر، نيو هامبشاير)، خدم أربع سنوات في سلاح مشاة البحرية الأمريكية (رقيب)؛ عمِل حارساً للسفارة الأمريكية في مصر وغواتيمالا.
بول سلاو (سانجر، تكساس)، خدم أربع سنوات في الجيش الأمريكي والحرس الوطني (رقيب)؛ تم إرساله إلى البوسنة والعراق.
نيكولاس سلاتن
في لقاء خاص لصحيفة Daily Mail عام 2015، كشفت والدة سلاتن أنه بدأ خدمته العسكرية عندما كان عمره 18 عاماً، حيث تم تدريبه ليعمل قناصاً في الجيش الأمريكي.
خدم 4 سنوات، ثم انتقل للعمل مع شركة بلاك ووتر التي قدمت راتباً مغرياً وأيام إجازة أكثر، على حد تعبيرها. وتزعم أن ابنها كان كبش فداء هذه القضية السياسية الجدلية، قائلة إنها فخورة بما قام به.
وكشفت أنه تلقى بندقية صغيرة عندما كان عمره 3 أعوام، كما قال والده داريل إنه منحه بندقية عيار 22 ملم عندما كان عمره 5 سنوات فقط، ليصطاد السناجب.
وقال إنه كان يصحب ابنه دائماً لرحلات صيد الغزلان وإنه كان يشعر بالفخر، لأنه كان أفضل منه في التصويب.
بول سلاو
كشفت زوجة بول للصحيفة نفسها، أنه بعد انتهاء خدمته في الجيش الأمريكي، عمِل كرجل مبيعات بمتجر شهير للأدوات المنزلية يدعى Home Depot، الأمر الذي لم يرُق له، وعندما شارك في معرض توظيف العسكريين السابقين لفت انتباهه ما قدمته شركة بلاك ووتر.
فإلى جانب الرواتب العالية، كان عمله يقتضي أن يسافر 60 يوماً ثم يُجاز لمدة 30 يوماً من دون التزامات طويلة الأمد مقابل تأمين الحماية لشخصيات رسمية في العراق.
إيفان ليبرتي
على صفحته الشخصية في موقع إنستغرام، نشر إيفان كثيراً من الصور التي قدمت لمحة عن اهتماماته أكثر من خلفيته الشخصية. ونشر صوراً لخدمته في مصر والعراق، إلى جانب تأثره الكبير- على ما يبدو- بالملاكم مايك تايسون.
يمكن مشاهدة صوره في مصر والعراق على حسابه في إنستغرام.
داستن هيرد
بينما نشرت عائلته فيديو له وهو يدخل منزله بعد قرار العفو، قال البيان الصادر عن البيت الأبيض، إن الرئيس ترامب اعتبر أنه لم يتم تقديم بعض الأدلة بشكل مناسب في محاكمة داستن هيرد. كما قال إن المدعين اعتمدوا على محقق عراقي مشكوك فيه.
وبعد مرور 7 سنوات على قرار المحكمة، يفتح ترامب صفحة جديدة من ملف هذه الحادثة الأليمة ومعها جراح أهالي الضحايا العراقيين.
بدورها قالت مديرة مشروع الأمن القومي التابع لاتحاد الحريات المدنية الأمريكي هينا شمسي، إن ترامب “وصل إلى مستوى جديد مشين مع عفو بلاك ووتر”.
وأضافت أن “الرئيس ترامب يهين ذكرى الضحايا العراقيين ويزيد من إهانة مكتبه بهذا العمل”.