كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن توجه أوروبي وأممي لاستخدام “الذكاء الاصطناعي” كأداة حاسمة للجماعات التي تسعى إلى تحقيق العدالة بشأن “جرائم الحرب” المرتكبة في سوريا، ما قد يفضي إلى نتائج غير مسبوقة بخصوص أسماء القادة المسؤولين عن هذه الجرائم.
ولفتت الصحيفة إلى أن “الصراع السوري هو الحرب الأكثر توثيقاً في التاريخ”، وأن “هذا الكم الهائل من الأدلة (الملايين من مقاطع الفيديو والصور ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وصور الأقمار الصناعية) لا يترجم بسهولة إلى مساءلة عن الجرائم المرتكبة في أثناء الحرب”.
فبينما تبني الأمم المتحدة والسلطات الأوروبية وجماعات حقوق الإنسان قضايا جرائم الحرب، تحولوا إلى أداة جديدة هي الذكاء الاصطناعي، بهدف المساعدة في معالجة البيانات وتنظيمها وتحليلها وتقليل الوقت الذي يقضيه المحققون البشريون في فرز ومشاهدة الآلاف من مقاطع الفيديو والصور.
ورغم أن نظام الديكتاتور السوري بشار الأسد انتصر إلى حد كبير في الصراع الذي امتد عقداً من الزمن، إلا أن المحاكمات تبقى ممكنة، ومن هنا، تكتسب الجهود المبذولة لتحقيق قدر من المساءلة أهمية كبيرة، علماً أنه منذ اندلاع الصراع السوري، خاطر الناشطون على الأرض بحياتهم من أجل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، من التعذيب والهجمات على المتظاهرين إلى الضربات الصاروخية العشوائية والبراميل المتفجرة.
وأشارت مصادر الصحيفة إلى أن خوارزميات “الذكاء الاصطناعي” تساعد في التعرف على الأشياء، وإيجاد جميع البيانات ذات الصلة بسلاح معين للمساعدة في حالة معينة، كما تسهم في تجميع مقاطع الفيديو لنفس الحادث والتخلص من النسخ المكررة أو الصور غير ذات الصلة.
في السياق، قالت رئيسة هيئة الأمم المتحدة المكلفة بجمع المعلومات السورية، كاثرين مارشي أوهيل: “لدينا استخدام للتكنولوجيا لالتقاط المعلومات ونشرها على حد سواء، والآن للبحث عنها بشكل مختلف تماماً”، مشيرة إلى مشاركة مشروع “مايكروسوفت” للذكاء الاصطناعي المخصص للعمل الإنساني الذي تبلغ تكلفته 40 مليون دولار، ومؤسسة “Benetech” غير الربحية، في البحث عن أدلة على استخدام الذخائر العنقودية خلال الحرب السورية.
وكانت “مايكروسوفت” أكملت تطوير نظام لتحديد الأسلحة في مقاطع الفيديو المتعلقة بالذخائر العنقودية العام الماضي، حيث يستطيع النظام اكتشاف هذه المقاطع من الصوت المميز لهذه القنابل، ويحتاج المحققون عند بناء القضايا، ليس فقط لإثبات ارتكاب جرائم حرب، والتي توجد معظمها في مقاطع الفيديو والصور.
وفي العام 2017 أراد هادي الخطيب، مؤسس “الأرشيف السوري” وهي منظمة حقوقية مستقلة تعمل على أرشفة الأدلة منذ بداية النزاع، تجميع قاعدة بيانات قابلة للبحث عن جميع هجمات الذخائر العنقودية. ويأمل الخطيب اليوم في أن تساعد قاعدة البيانات في بناء قضية بأن النظام السوري وداعمه العسكري الأكبر، روسيا، استخدما أسلحة محظورة دولياً أثناء الصراع، عبر تحليل جرائم الحرب في سوريا.
لكن كان من المستحيل على فريق الخطيب الصغير فرز أكثر من 1.5 مليون مقطع فيديو للعثور على تلك الفيديوهات المتعلقة باستخدام القنابل العنقودية. فرغم توفر تقنية لفرز الأدلة بالفعل، لكنها مكلفة للغاية بالنسبة لجماعة حقوقية صغيرة. علماً أنه في كثير من الأحيان، لا توجد تقنية لتمكين الآلات من التعرف على صورة أو صوت الذخائر العنقودية أو غيرها من أسلحة الحرب، بل يجب بناء مثل هذه التقنية أولاً.
لذلك، لجأ الخطيب إلى آدم هارفي، مهندس البرمجيات المقيم في برلين وقائد مشروع “VFRAME” مفتوح المصدر الذي يركز على استخدام التعلم الآلي لتعزيز العمل في مجال حقوق الإنسان، لبناء كاشف ذكاء اصطناعي قادر على مثل هذا البحث.
وتوقع هارفي أنه بصدد مهمة تشفير على قدم المساواة مع إنشاء خوارزميات للبحث عن الصور في “غوغل” بهدف تحليل جرائم الحرب في سوريا باستخدام الذكاء الاصطناعي، لكنه أدرك أنه يفتقد عنصراً حاسماً لتدريب الذكاء الاصطناعي، وهذا العنصر يتمثل في إدخال مجموعة كافية من الصور والفيديوهات للقنابل العنقودية.
وقال هارفي لـ”وول ستريت جورنال”: “عند البحث عن هذه العناصر المحددة في تحقيقات حقوق الإنسان، ليس لديك الكثير منها مثل صور القطط على الإنترنت”. ولذلك أمضى هارفي أكثر من عام في إنشاء بيانات تركيبية بما في ذلك صور ثنائية الأبعاد تهدف إلى تكرار البيئات الظاهرة في سوريا، واستخدام نماذج ثلاثية الأبعاد لإعادة إنشاء مقاطع فيديو ما بعد الانفجار في مواقع مختلفة في جميع أنحاء ألمانيا.
وبعد تدريب البرنامج على البيانات، يختبر الباحثون دقة الخوارزمية من خلال تشغيلها على مجموعة معروفة من الصور، ثم يقومون بتعديل وإعادة تدريب مجموعة البيانات بغرض تحسينها. ويأمل الخطيب وهارفي أن تكتمل قاعدة البيانات وتكون جاهزة لبدء بناء قضية بحلول منتصف العام الجاري.
والحال أن ناشطي حقوق الإنسان اعتقدوا سابقاً أن المجتمع الدولي الذي كان له وصول محدود إلى البلاد، سيظهر ردة فعل ملموسة عند عرض الشواهد التي تم تصويرها لجرائم الحرب في سوريا، لكن ذلك لم يحدث. والآن، مع تحول الاهتمام الدولي نحو المساءلة، ثبت أن هذا الكم من الوثائق غير مسبوق في حجمه وتنوعه في سجلات محاكمات جرائم الحرب، وفقاً للآلية الدولية المحايدة والمستقلة التابعة للأمم المتحدة. لكن الكم الهائل لا يترجم بسهولة إلى تحقيق للعدالة.
وعلق كيث هياث، الذي يشرف على إدارة نظم المعلومات في الآلية الدولية: “مقاطع الفيديو لا تتحدث عن نفسها، فبغض النظر عن مدى دقة الفيديو، لن يفوز الفيديو أو يخسر قضايا في جرائم حرب”. وأضاف: “لا يمكن أن تظهر مقاطع الفيديو مدى انتشار الهجمات الممنهجة”، لافتاً إلى أنه من دون استخدام التكنولوجيا في عملية تحليل جرائم الحرب في سوريا “لن تكون هناك طريقة للقيام بذلك”.
وتستخدم الآلية الدولية برنامج التعلم الآلي لمسح مئات الآلاف من المستندات باللغة العربية، ومعظمها صور ذات جودة منخفضة، لاستخراج الأنماط ذات الصلة بجرائم الحرب، مثل الطوابع الرسمية أو الأوراق المرفقة بإمضاءات، لأنه عند بناء القضايا، يحتاج المحققون ليس فقط إلى إثبات الأدلة على ارتكاب جرائم حرب، والتي غالباً ما توجد بشكل مقاطع فيديو وصور، بل أيضاً لإثبات التسلسل القيادي الذي أدى إلى هذه الجرائم، وهو ما يوجد غالباً في الوثائق المهربة خارج سوريا.
وقال هياث: “إنها الطريقة الوحيدة التي ستتاح فيها للأمم المتحدة فرصة لفهم صراع معقد مثل ما يجري في سوريا”. وأضاف: “الأمر أكبر من أن تفعله بالطريقة القديمة”، ويشبهه أعضاء الآلية الدولية بالبحث عن إبرة في كومة من القش. وبالمقارنة مع الكم الهائل من الأدلة الإلكترونية من الصراع السوري، كان لدى المحكمة الدولية للحرب في يوغوسلافيا السابقة حوالي 9 ملايين وثيقة، وكان ذلك كافياً ليلائم التخزين في قرص صلب حديث.
ويضم فريق الآلية الدولية الذي يعمل في القضية السورية “ضباط اكتشاف إلكتروني”، بالإضافة إلى محامين ومحققين ومحللين. وبعض هؤلاء، مثل القاضية الفرنسية السابقة مارشي أوهيل، عملوا في المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
المصدر: المدن