أيمن ناصر
لن اتحدث عن التفاصيل المؤلمة في رواية “باب الأبواب” للأديب يوسف دعيس وما تضمنته من لحظات الدمار والقصف واعتقالات “داعش”، ومناظر القصاص، وقطع الرؤوس، التي عايشتها مع الكاتب، ربما كتفاً إلى كتف في أزقة وحواري مدينة الرواية التي هي مدينتي الرقة. وأغلب المهتمين قرأها في الكتابات النقدية التي نشرت على الفيسبوك عن الرواية والبعض الآخر قرأها بعد أن اقتناها.
الرواية بقلم كاتب سوري حر تبحث باختصار عن خلاص السوري. عن حق عيشه بأمان. عن خوفه من صوت الطائرة الذي عانينا منه في الشهور الأولى هنا في أورفا، حيث كانت قلوبنا تهرع للسقوط أرضاً، وعيوننا معلقة في السماء مع كل جدار صوت يفتح لطائرة ركاب تعبر سماء المدينة أو لحافلة نقل تضغط على الكوابح فجأة..
رواية تبحث في أن لا يريق السوري آخر ما تبقى من ماء وجهه في بلد اللجوء، أشبه بسجن كبير لا يستطيع مغادرته إلى أي بلد في العالم.
هذا ما تطرحه “باب الأبواب” بلغة بسيطة تأخذنا بعيداً في أروقة التاريخ باحثة في جذور أسلاف بطل الرواية عطا الله الحسني حفيد شامل الجد الأكبر. بادئاً من حقبة عصر السلطان العثماني سليمان القانوني، وما جرى فيها من أحداث جرت مع الجد الأول شامل الدربندي، الذي يعود نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وبالتالي إلى الرسول الكريم.
وقد نال هذا الجد شهرة عظيمة لأنه استثمر نسبه في التنجيم والرقية والعلاج الروحاني. ووصل به الأمر أن أوقع خليلة السلطان بألاعيبه. مما جعل السلطان سليمان يغضب منه، ويحكم عليه بالموت شنقاً..
وهكذا يأتي أولاد من نسل الجد شامل يسيرون على درب الأب. وهذا الدرب يُدخِل الأحفاد في دوامة الصوفية التي يبرع الكاتب في إمساكها من الوسط ليجول فيها كقنديل أضاء حقبة وجدانية عايش فيها عطا الله أحوالاً وجدانية صوفية استوحاها من بركات جده الباز عبد القادر الكيلاني، الذي منحه عقيقة زرقاء رافقته زمناً موقناً أنها تحرسه وتحميه من الشر.
* * *
قبل أن يختم يوسف الرواية كان لابد للثورة السورية أن تكون حاضرة بقضّها وقضيضها في ربوع تاريخ مدينة الرقة، وتاريخ كل المدن السورية بما وقع عليها من ظلم وفساد واستبداد وتدمير حين قام الشعب بحراك سلمي للمطالبة بالحرية والكرامة. لكن النظام القاتل يقابل ذلك الحراك والحوار بالقصف والاعتقال والإذلال والتعذيب.
تستمر الثورة بعد أن أصبح الحراك مسلحاً ليدخلنا الكاتب في دواماتها ومواقفها الإنسانية من خلال أم الراوي وتضحيتها في سبيل أولادها، ومن خلال بعض الشخصيات التي كان لها دور في الحراك الثوري. وهي شخصيات حقيقية قدمت نفسها في الرواية كشاهد عيان آخذة زمام الحديث من الراوي الأول لتروي ما حدث لها وما عايشته بمصداقية لا تقبل الشك.. وهذا ما يصعّب تلقائية لغة السرد عند الكاتب لأن ذلك يتطلب منه تقمّص روح وفكر كل شخصية جديدة.
أقول ذلك عن تجربة شخصية عانيتها في الكتابة.
ثم يدخل الكاتب في كيف عانت الثورة من محاولات خنقها، وسرقتها بأسلوب شيطاني عبر صراع مفتعل بين جماعات مجرمة أفلتها النظام من سجونه مع جماعات مأجورة مسلحة ومخترقة ادعت الإسلام بمسميات النصرة وداعش، وهي أبعد ما تكون عن ذلك.
تدور رحى الحرب في الرواية بأسلوب مؤلم مع تراكم الأحداث والتفاصيل عبر سنوات التدمير والتهجير والاعتقال وقطع الرؤوس. وتتخبط الثورة بين أنياب النظام العالمي الذي أعلن كذباً حرباً على داعش باسم الحرب على الإرهاب بينما هو الداعم الأكبر للإرهاب ولكل الجماعات والأحزاب التي ظهرت في الشمال السوري كحزب العمال الكردستاني، وفرعه السوري ال ب ي د.. وتوسعه ببعض العرب، وتسميته بقوات سورية الديمقراطية قسد. لتبقى المنطقة وأهلها ضحايا هذا الارهاب.
في الختام نستطيع القول إن يوسف دعيس نجح في جعلنا نعيش ألمه، وألم كل سوري ومعاناته في كل قذيفة تسقط على سقف أي بيت وتدمره، أو كل شظية أو رصاصة تخترق أي جسد في المدينة من خلال سردية تعتبر شاهد حي للقتل والدمار الذي تعاور عليه القاصي والداني، وكان السوريون هم الضحايا في مشهد الدم اليومي.