ألقى جهاز المخابرات في قوات سوريا الديمقراطية بمدينة القامشلي القبض على أحد موظّفي هيئة المحروقات والمشرف على إدارة “سادكوب”، بتهمة اختلاسه مع آخرين ما يزيد على مليار دولار أميركي من عائدات النفط. وهو أمر يفسر حالة الفساد المتفاقمة في صفوف مسؤولي “الإدارة” وكذلك انعدام الخدمات في مناطق سيطرتها رغم وجود موارد هائلة.
ولم تعلن “قسد” أو الإدارة الذاتية عن الحادثة لأن رجل الظل في عملية الاختلاس هو أحد أبرز قياديي حزب العمال الكردستاني في سوريا.
وكشف مصدر أن مخابرات “قسد” اعتقلت شيار مسور ابن الكاتب والأستاذ في “جامعة روج آفا” التابعة للإدارة الذاتية خالص مسور، بتهمة اختلاسه مع ستة أشخاص آخرين أكثر من مليار دولار أميركي، وذلك خلال فترة 7 أعوام، منذ أن سلّم النظام السوري إدارة شركة سادكوب والنفط في محافظة الحسكة للإدارة الذاتية.
وقبض على شيار في المرة الأولى من قبل قسم الجريمة المنظمة بمدينة القامشلي مطلع العام الجاري ودام اعتقاله حينذاك قرابة الشهر، وبعد إطلاق سراحه شددت “قسد” الرقابة عليه، ليعاود هذه المرة جهاز المخابرات في قسد اعتقاله واقتياده إلى أحد مقاره في ريف مدينة الحسكة.
من “العمال الكردستاني”.. رجل الظل في عملية الاختلاس
أشار المصدر إلى أن شيار كان الرجل الثاني في إدارة “سادكوب” بعد الكادر القيادي في حزب العمال الكردستاني والمسؤول المالي لجميع القطاعات في عموم مناطق الإدارة الذاتية علي الشير (علي الأسد)، وللأخير حصة الأسد في عملية الاختلاس وتمكن من حماية شيار طيلة الأعوام الماضية.
وقال المصدر: “ليس شيار الوحيد في عملية الاختلاس، بل هناك شبكة مباشرة مؤلفة من ستة أشخاص من إدارة سادكوب ومن خارج المديرية، وهم أولئك المتعاملون مع محطات المحروقات والسوق السوداء.
“الشير”.. المسؤول المالي العام الحقيقي والخفي للإدارة الذاتية
منذ دخول قيادات حزب العمال الكردستاني أوما يعرفون بـ “الكوادر” وهم من أكراد تركيا وإيران، إلى داخل الأراضي السورية وإنشاء الإدارة الذاتية الحالية، سيطروا على جميع القطاعات في الإدارة ولم يعينوا أي مسؤول سوري في إدارة مؤسسة عسكرية ومالية على وجه الخصوص.
وأشار ناشطون وسياسيون أكراد إلى أن الأسماء المعروفة من القيادات العسكرية والسياسية من الأكراد السوريين “ليسوا سوى أدوات لتنفيذ أوامر كوادر حزب العمال الكُردستاني المبتعثين من قيادة حزب الـ PKK في قنديل”.
ومن هؤلاء “الكوادر” الذين ذاع صيطهم، علي الشير أو علي الأسد، وهو المسؤول المالي الأول والخفي للإدارة الذاتية في جميع مناطق سيطرتها. وبعد البحث والتقصي لم يتمكن موقع تلفزيون سوريا من معرفة اسمه الحقيقي، وكشفت مصادر خاصة أنه كردي إيراني، وبحسب مصادر مقرّبة من الإدارة فهو الآمر والناهي في الشؤون المالية في “الإدارة”، وبشكل خاص فيما يتعلّق بالنفط ومشتقاته.
وكشفت مصادر أخرى بأن “الشير” أصدر قراراً منع فيه أي شخصٍ كان من شراء “أراضي عرب الغمر”، المنتشرة من ريف مدينة رأس العين وصولاً لمدينة المالكية على الحدود العراقية، والتي تُعتبر من أخصب الأراضي، ليحتكر هو عملية الشراء وبأرخص الأسعار.
واشترى المدعو علي الشير على الطريق الواصل بين مدينة القامشلي وبلدة القحطانية، أراضي زراعية بأسعار رخيصة بعد تهديد أصحابها وبذريعة شراء أراضٍ للتحالف الدولي، وبنى على تلك الاراضي معملاً للإسمنت يقوم على دعم منشأة لتصنيع قوالب إسمنتية للأنفاق العسكرية التي تحفرها “قسد” في جميع مناطق سيطرتها.
وقد ذكر نضال إيبو (رئيس الهيئة المالية في مدينة منبج والمنشق مؤخراً عن الإدارة الذاتية) في أحد تصريحاته بأنّ المدعو علي الشير هو مَن يتحكم بجميع الأمور المالية في عموم مناطق الإدارة الذاتية.
طرق الاختلاس
ربما يبدو المبلغ المُختلس كبيراً جداً، إلا أن ما كشفه المنشق نضال إيبو بأن العائدات الشهرية من النفط تبلغ 120 مليون دولار أميركي، وتعدد عمليات اختلاس إدارة المحروقات خلال الأعوام الماضية؛ توضح أنه من الممكن اختلاس مثل هذا المبلغ الضخم
ومن أبرز طرق الفساد والاختلاس:
– بيع صهاريج تتسع لما بين 30 ألف ليتر و 40 ألف ليتر من مادتي المازوت والبنزين المكررتين بدائياً، لبعض المحطات، دون أن تدخل في سجلات إدارة سادكوب.
– خلط البنزين المكرر بدائياً والذي يُباع بـ 210 ليرات سورية مع البنزين المستورد بنسبة الثلث والذي وصل سعره لـ 2900 ليرة سورية.
– التلاعب بسعر البنزين المستورد المغشوش أثناء ارتفاع سعر الدولار ورفض تخفيضه بتحسن الليرة السورية.
– بيع كميات من مادة المازوت لمناطق سيطرة الجيش الوطني بأسعار تصل لـ 1000 ليرة سورية لليتر الواحد، دون أن ترد في ميزانية الإدارة الذاتية.
– أخذ الرشاوي من أصحاب الصهاريج لتقديم دورهم من أجل تعبئة صهاريجهم ونقل الوقود، ويصل مقدار الرشوة نحو 500 ألف ليرة سورية.
– بيع مادة المازوت والفيول لمناطق سيطرة الحشد الشعبي في الجانب العراقي.
– سرقة النفط من حقول دير الزور والجبسة:
أكدت المصادر أن عمليات الاختلاس لم تقتصر على “السادكوب”، بل حصلت في معظم هيئات ومؤسسات الإدارة الذاتية، ففي حقل العمر في محافظة دير الزور الذي يديره أحد كوادر حزب العمال الكُردستاني من أصول كردية إيرانية، يتم بيع كميات كبيرة من النفط للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة بسعر 280 دولاراً أميركيا للطن الواحد من الفيول.
هروب عشرات كوادر حزب العمال مع ملايين الدولارات
يُذكر بأنه فرّ العشرات من كوادر العمال الكردستاني والذين كانوا يشغلون مراكز مهمة في الإدارة الذاتية إلى تركيا وإقليم كردستان، ومعهم ملايين الدولارات، دون أن تفصح “الإدارة” أو تقدّم البدائل للحد من هذه الظاهرة. ففي عام 2020 هرب قياديان من كوادر حزب العمال، أحدهما كان يشغل منصباً في الإدارة المالية في مدينة الدرباسية واستطاع الفرار من معبر المدينة إلى تركيا، وفي عام 2018 ألقت الأسايش القبض على أحد أقرباء القيادي ألدار خليل وبحوزته 12 مليون دولار على الحدود السورية – العراقية.