كيف تنظر واشنطن إلى الضحايا في سوريا وغزة؟

سامر القطريب

مضت 78 عاما منذ أن ارتكبت الولايات المتحدة مجزرة هيروشيما في 6  من  آب/ أغسطس، وناغازاكي في 9 من الشهر نفسه عام 1945 في أثناء الحرب العالمية الثانية، واحتوت القنابل على اليورانيوم المخصب وكان لها تأثير انفجار 13 ألف طن من مادة تي إن تي.

وبعد ثلاثة أيام أعلن الإمبراطور هيروهيتو استسلامه، وأشار حينئذ في تصريحاته إلى القنبلة الذرية بقوله: “يملك العدو سلاحا جديدا ومريبا يستطيع حصد العديد من الأرواح البريئة وتدمير البلاد، فإذا استكملنا القتال، سيؤدي ذلك إلى القضاء على اليابانيين والحضارة الإنسانية ككل، وبالتالي، كيف لنا أن نحمي ملايين المواطنين من الموت المحتوم؟”.

تبرير القتل.. مجاز القنبلة الذرية

بعد كارثة هيروشيما وناكازاكي، حاول علم النفس تفسير الدوافع وراء ما حدث، وقال بعض العلماء إن استخدام السلاح النووي “مغرٍ على المستوى النفسي”، لأنه يجعل الإنسان يشعر بالقوة، واليوم وعلى غرار ذلك، نجد تأثير القوة الفتاكة التي يوفرها سوق السلاح اليوم، والذي يجعل “القتل عن بعد” عملاً سهلاً، من خلال غارات الطائرات الحربية أو المسيّرات والصواريخ “الذكية”، ومن دون أن تتلوث أيدي الساسة والقادة بالدماء، شهدنا هذا النوع من القتل في سوريا ونشهده اليوم في غزة، ويحتاج فقط إلى قرار ومبرر “سياسي” و”أخلاقي” وغالبا تحت ستار الإرهاب.

واليوم لا يحتاج إيقاع عدد كبير من القتلى وتدمير البنية التحتية إلى قنبلة ذرية، فقد قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في 16 من الشهر الجاري، إن إسرائيل أسقطت ما يوازي ربع قنبلة نووية على قطاع غزة، وبعد 13 يوما يمكن القول إن الاحتلال ألقى ما يساوي قنبلة هيروشيما، أما في سوريا فقد أدى قصف النظام وحلفاؤه إلى مقتل أكثر من 500 ألف شخص، فكم “قنبلة ذرية” ألقى الأسد لقتل هذه الأعداد؟ علما أن 220 ألف شخص قتلوا بالقنبلة الذرية التي ضربت هيروشيما وناغازاكي.

ومع تصعيد إسرائيل عدوانها على غزة، وارتكابها مجزرة مستشفى المعمداني والذي قتل فيه قرابة 500 شخص، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء الماضي، إنه متأكد من أن الضربات الإسرائيلية بقطاع غزة أدت لسقوط ضحايا مدنيين، لكنه شكك بصحة الأرقام التي تعلن عنها وزارة الصحة في غزة.

 

وأضاف بايدن، ردا على سؤال بشأن عدد القتلى المدنيين في غزة، منذ بدء القصف والغارات الإسرائيلية على القطاع: “ليس لدي أي فكرة أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة بشأن عدد القتلى، لكني متأكد من أن أبرياء قتلوا”.

وتابع: “هذا ثمن شن حرب، وأعتقد أنه ينبغي على الإسرائيليين أن يكونوا حذرين للغاية للتأكد من أنهم يركزون على ملاحقة الأشخاص الذين يروجون لهذه الحرب ضد إسرائيل، وعندما لا يحدث ذلك فإن ذلك يتعارض مع مصلحتهم.. على أي حال، ليس لدي ثقة في الأرقام الصادرة عن الفلسطينيين”.

والجمعة، قال مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة: إن “المنظمة ليست مهمة وليس لها شرعية”، وذلك بعد تبني الجمعية العامة بالأغلبية الساحقة قرار هدنة إنسانية في غزة.

هذه المنظمة التي ضرب المندوب الإسرائيلي قرارها بعرض الحائط، هي ذاتها المنظمة الأممية التي اعتمد عليها السوريون لتوقف قتلهم على يد النظام وحلفائه الروس والإيرانيين وفشلت، وها هم يدفعون “ثمن الثورة” من دمهم للعام الثالث عشر، كما يدفع الغزيّون اليوم “ثمن الحرب” بحسب تعبير الرئيس الأميركي.

وبين “ثمن الثورة” في سوريا و”ثمن الحرب” في غزة، تؤكد تصريحات بايدن أنه لا توجد “حرب نظيفة”، كذلك لا توجد سياسة نظيفة أيضا، لأن الانحياز الأميركي والغربي إلى إسرائيل كان علنيا وواضحا، ودفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى تحريك قواتها “لحماية” إسرائيل وتحقيق هدفها في القضاء على “حماس”، في حين لم تحرك المجازر التي ارتكبها النظام السوري ـ ومازال ـ وصور “قيصر” سوى “القوارب إلى الاتحاد الأوروبي”، إضافة لتصريحات ساسة الغرب بأن “الأسد فقد شرعيته” ويجب محاسبته، فما هو الفرق بين القتلى في سوريا وغزة وبين القتلى الإسرائيليين؟.

“القتل على بساط البيت الأبيض”

في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، اقترح روبرت فيشر، أستاذ القانون بجامعة هارفارد، طريقة جديدة، لكنها مروعة، للطريقة التي يمكن أن تقرر بها الدول شن هجوم نووي.

وكتب فيشر في جريدة “علماء الذرة”، أنه بدلا من الاحتفاظ بالشفرة السرية لتفعيل ترسانة الأسلحة النووية في حقيبة يحملها رؤساء الجمهورية، يفضل أن توضع وسائل إطلاق القنبلة الذرية في كبسولة تزرع بالقرب من قلب أحد المتبرعين، على أن يرافق هذا المتبرع الرئيس أينما ذهب، ويحمل معه سيفا ثقيلا. بحسب أرشيف صحيفة نيويورك تايمز.

وإذا وافق الرئيس، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، على شن هجوم نووي، فعليه أولا أن يقتل ذلك المتطوع وينتزع قلبه حتى يستخرج الأكواد.

وعندما عرض فيشر هذا المقترح على أصدقائه من وزارة الدفاع الأميركية، أصيبوا بذهول، ورأوا أن هذا التصرف قد يؤثر على تفكير الرئيس وتقديره للأمور. لكن فيشر كان يريد من وراء هذا المقترح أن “يرى الرئيس القتل بعينه ويدرك حقيقة موت الأبرياء، قبل أن يقدم على قتل الآلاف. وأن تراق الدماء أولاً على بساط البيت الأبيض”.

بايدن “الأبيض كما هو واضح”، يرى الهوية البيضاء ذات أهمية سياسية عندما يحدث شيء ما في البيئة “ذات الصلة”، أو عندما تحاول النخب الأميركية تفعيلها، وهو ما حدث بالنسبة في سوريا ويحدث في غزة التي عزلها الاحتلال عن العالم لتصفيتها.

وقبل أن يخلف بايدن ترامب في البيت الأبيض قال في تصريحات متلفزة “إن مشكلتنا في سوريا ليست بشار الأسد أو روسيا.. بل أصدقاؤنا..”.

ويتابع القول إن “السماح للأسد وإيران بارتكاب جرائم قتل جماعية في سوريا كان شيئا عاديا لأنه لم يكن هناك وسط معتدل في المعارضة، وليس هناك توماس جيفرسون يختبئ خلف صخرة أو جيمس ماديسون خلف الكثبان الرملية”. وبناء على ذلك فإن واشنطن ومن خلفها الدول الغربية لم تكن تنوي إسقاط الأسد، لأنها لو أرادت لفعلت. ولكن بعد الدفاع الأميركي عن إسرائيل و”النخوة” الغربية لحمايتها، هل يوجد فعلا توماس جيفرسون في تل أبيب؟ سؤال جاوب عنه عدد من المؤرخين والباحثين السياسيين الإسرائيليين سابقا، ومنهم إبرهام بورغ الذي قال عام 2003 في مقال بصحيفة الغارديان بعنوان نهاية الصهيوينة: “إن نهاية المشروع الصهيوني أصبحت على الأعتاب، هناك احتمال حقيقي أن يكون جيلنا هو الجيل الصهيوني الأخير “.

“إن الدول التي تفتقر إلى العدالة لا يمكنها البقاء حتى لو طأطأ العرب رؤوسهم وابتلعوا عارهم وغضبهم إلى الأبد، فلن يساعدنا هذا فالبنية القائمة على القسوة سوف تنهار حتما على نفسها”.

تلفزيون سوريا

Read Previous

ليلة دامية على غزة.. إسرائيل توسّع نشاطها البري ومجلس الأمن يستعد لجلسة طارئة

Read Next

“مجلس موحد” لتنظيم جهود العشائر في محافظتي السويداء ودرعا وضمان الأمن العام

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular