سيريا مونيتور
ما الذي يمنع حزب الله من دخول الحرب؟ منذ اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل انتقامها من حماس بعد الهجوم الذي نفذته في السابع من تشرين الأول، توقع العالم بأن يشارك حزب الله في تلك الحرب عبر فتح جبهة ثانية شمالي إسرائيل، باعتباره من الأعمدة الأساسية لإيران ضمن شبكة ميليشياتها في مختلف بقاع الشرق الأوسط.
اقتصر تحرك حزب الله حتى اللحظة على إطلاق صواريخ على إسرائيل، إلى جانب إطلاق مضادات للدبابات ونيران بعض الأسلحة الخفيفة. والأهم من كل ذلك، هو أن حسن نصر الله، زعيم حزب الله الذي يرغي ويزبد وهو يستشيط غضباً، قد أحجم عن إطلاق انتقاداته المعتادة في خطاباته ضد ما يسميه بالكيان الصهيوني، ومن المزمع أن يلقي أول خطاب عام له منذ وقوع هجوم حماس يوم الجمعة، أي بعد مرور شهر تقريباً على بدء القصف الإسرائيلي على غزة.
حزب الله أهم وأغلى على نفس إيران من البقية
إن ضبط النفس الذي يمارسه حزب الله اليوم إن دل على شيء فإنما يدل على أن رعاته في طهران، على الرغم من كل تهديداتهم بشن حرب أوسع ضد إسرائيل، لا يرغبون بإقحام أهم فرع لهم في هذا النزاع. إذ من بين كل وكلاء إيران، يتمتع حزب الله بعلاقة طويلة ومقربة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومنها يحصل على تمويل كبير وأسلحة وتدريب أكثر من غيره من الجماعات ضمن شبكة إيران.
والأهم من كل ذلك هو أن مقاتلي حسن نصر الله باتوا متمرسين على القتال وذلك بعد خوضهم للحرب في سوريا، كما أجرى كبار قادتهم تدريبات كثيرة على محاربة إسرائيل منذ حرب لبنان في عام 2006.
ومع ذلك، فإن الدور المحدود المنوط بحزب الله لا يختلف كثيراً عن أدوار غيره من وكلاء إيران، وعلى رأسهم ميليشيا الحوثي في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، فقد أطلق الحوثيون صواريخ باتجاه إسرائيل، في حين استهدف الحشد الشعبي قواعد أميركية في العراق.
طهران ونشوة النصر
ولكن ما الذي يمنع نصر الله أو ما الذي جعل إيران تمنعه من شن هجوم شامل على إسرائيل؟
يرى بعض المحللين بأن طهران ما تزال مزهوة بالنجاح الذي حققته حماس في العملية التي نفذتها في السابع من تشرين الأول، وما أبهجها أكثر هو توقف التقارب بين إسرائيل والدول العربية وكذلك تأجيج الحرب الدائرة في غزة للغضب على إسرائيل والولايات المتحدة في عموم المنطقة بل والعالم بأسره.
وبما أن حزب الله أهم فرع لدى إيران، لهذا لا يريد النظام في طهران تدميره وإضعافه، لأن هذا ما سيحدث حتماً في حال دخول حزب الله في مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي. وحتى لو دفعت الحرب إسرائيل نحو طريق مسدود كما حدث في عام 2006، لابد لحزب الله أن يتكبد خسائر فادحة، وبما أن الاقتصاد الإيراني مقيد بعقوبات اقتصادية، لذا قد تحتاج إيران لسنوات بل حتى لعقود حتى تقوي الإمكانات القتالية لدى هذا الحزب.
ورطة إيران ومهام حزب الله في المنطقة
ثم إن لدى طهران أسباباً أخرى للحفاظ على لياقة حزب الله القتالية، وهي أنها تحتاج لنصر الله حتى يحمي المؤسسات والمصالح الإيرانية الأخرى.
إلى جانب السماح لطهران بمواصلة المستوى عينه من التهديد ضد إسرائيل، تحقق قوات نصر الله هدفين آخرين لا يقلان أهمية عن الأسباب السابقة، وهي أن تلك القوات تحافظ على صعود الطائفة الشيعية وبروزها وتسيدها للمشهد إزاء أهم طائفتين في لبنان وهما السنة والمسيحيون الموارنة (بما أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أسست على رؤية عالمية شيعية متشددة، لذا فقد أناطت بنفسها دور الحامي لهذه الطائفة)، كما أن حزب الله يدعم نظام بشار الأسد في سوريا، بعد تحوله إلى أضعف دمية تحركها طهران في الشرق الأوسط.
لا يمكن لإيران أن تتحمل رؤية حزب الله وهو يتخلف عن أداء أي من هاتين المهمتين، إذ لربما بقي الأسد في السلطة بعد حرب دموية وطويلة بمساعدة إيران وحزب الله وروسيا، إلا أن ما ألقي على عاتقه اليوم هو مسؤولية إصلاح بلد مدمر وحكم شعب ناقم عليه. كما أن موجات الاحتجاجات المناهضة للنظام والتي ظهر آخرها خلال الشهر الماضي فحسب، تذكر الجميع بموقف النظام المتأرجح، ومن جانبه، نرى بأن لبنان بات على شفير الانهيار الاقتصادي والسياسي، وما يرافق ذلك من خطر عودة العنف بين الطوائف الثلاث من جديد.
إذن، إن شرع حزب الله بأعمال عدائية موسعة ضد إسرائيل، فإن الصدمة التي ستقع على عاتق الاقتصاد لابد أن تدفع لبنان نحو الهاوية دفعاً. عندئذ، سيتعين على نصر الله أن يدافع عن مصالح حزب الله، كما عليه أن يرسل بعضاً من موارده ورجاله وعتاده من سوريا إلى الجبهة الجديدة، وهذا ما سيمكن المعارضة المناهضة للأسد من إعادة ترتيب صفوفها ضد النظام. ومع تورط روسيا في حرب أوكرانيا، ستتحمل إيران العبء الأكبر، وهذا الموقف ليس بمألوف بالنسبة لنظام الملالي في طهران، الذي يفضل دفع الآخرين لتحمل هذا العبء نيابة عنه.
قد يتصرف حزب الله من تلقاء نفسه فينفذ ما توعد به، ولهذا حري بنا أن نصغي باهتمام لخطابه المزمع أن يلقيه يوم الجمعة. ولكن في حال فتحت جبهة ثانية ضد إسرائيل، فإن حزب الله سيفتح جبهتين أخريين على إيران، وهذا ما لن يرضي أسياده في طهران البتة.