قانون قيصر بين الإلغاء والتعليق: قراءة قانونية في الموقف الأميركي الراهن

سيريا مونيتور

شهدت الأشهر الأخيرة جدلاً واسعاً حول مصير “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019”، وسط تضارب في التصريحات بين من يؤكد إلغاءه ومن يرى أنه ما يزال سارياً. ومع تزايد الخطوات الأميركية نحو تخفيف العقوبات على سوريا، تَولَّد انطباعٌ عام بأن القانون قد رُفع نهائياً، غير أن القراءة القانونية الدقيقة تُظهر واقعاً مختلفاً تماماً.

يقدّم هذا التقرير تحليلاً شاملاً للإجراءات الأميركية الأخيرة، موضحاً الفرق بين التعليق التنفيذي المؤقت الذي تقوم به الإدارة الأميركية، والإلغاء التشريعي الدائم الذي لا يتم إلا بقرار من الكونغرس، وهو ما يحدد فعلياً بقاء أو زوال “قانون قيصر” من النظام القانوني الأميركي.


أولاً: الأساس القانوني لقانون قيصر

صدر قانون قيصر في ديسمبر/كانون الأول 2019 كجزء من قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) للسنة المالية 2020، ما منحه قوة تشريعية عالية نظراً لارتباطه بتمويل الجيش الأميركي.
وقد حظي بدعم الحزبين في الكونغرس، وهدف إلى محاسبة مرتكبي الانتهاكات في سوريا والضغط على حكومة بشار الأسد لوقف القمع والتوجه نحو حل سياسي.

يستمد القانون أهميته من العقوبات الثانوية التي يفرضها، إذ لا يقتصر على المواطنين الأميركيين، بل يشمل أي شخص أو جهة أجنبية تتعامل مع قطاعات حيوية يسيطر عليها النظام السوري، مثل:

  • النفط والغاز ومشتقاتهما

  • الطيران العسكري

  • البناء والهندسة وإعادة الإعمار

وبذلك تحوّل القانون إلى أداة ضغط مالية دولية عابرة للحدود، تعيق أي تعامل اقتصادي مع دمشق.


ثانياً: التحول السياسي والإجراءات التنفيذية

مع سقوط نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة أحمد الشرع عام 2025، غيّرت واشنطن نهجها تجاه سوريا. فقد رأت الإدارة الأميركية أن استمرار العقوبات سيعرقل استقرار الحكومة الجديدة، وبدأت سلسلة خطوات لتخفيف العقوبات دون إلغاء القانون نفسه.

1. استثناء وزارة الخارجية (23 مايو 2025):

أصدر وزير الخارجية الأميركي إعفاءً مؤقتاً مدته 180 يوماً قابلاً للتجديد، لتعليق تطبيق العقوبات الثانوية المفروضة بموجب قانون قيصر. أُعلن أن الهدف من هذا الإجراء هو “حماية المصالح القومية الأميركية ودعم الحكومة السورية الجديدة”.

2. الرخصة العامة لوزارة الخزانة (GL25):

سمحت للأشخاص والشركات الأميركية بالدخول في معاملات كانت محظورة سابقاً، مثل التعاملات الإنسانية والتجارية المشروعة.

3. الأمر التنفيذي الرئاسي رقم 14312 (30 يونيو 2025):

وقّع الرئيس الأميركي هذا الأمر الذي ألغى ستة أوامر تنفيذية سابقة شكّلت الإطار الأوسع للعقوبات على سوريا، ووجّه بمراجعة شاملة لقانون قيصر.
إلا أن الأمر التنفيذي لم يُلغِ القانون نفسه، بل أعاد تنظيم نظام العقوبات ليصبح أكثر تركيزاً وانتقائية.


ثالثاً: استمرار العقوبات المستهدفة

رغم التخفيف الكبير، أبقت واشنطن على عقوبات محددة عبر برنامج جديد أُطلق تحت اسم:
“عقوبات تعزيز المساءلة عن الأسد والاستقرار الإقليمي” (PAARSS)،
الذي استهدف 139 شخصاً وكياناً من المقربين من النظام السابق وشبكات تهريب الكبتاغون.
وهكذا حافظت الإدارة الأميركية على أدوات الضغط القانونية، مع فسح المجال في الوقت نفسه أمام التعاون مع الحكومة الجديدة.


رابعاً: المسار التشريعي لإلغاء القانون

يبقى الكونغرس الجهة الوحيدة المخولة قانوناً بإلغاء “قانون قيصر” بشكل دائم.
وقد تم حتى الآن تقديم ثلاث مبادرات تشريعية:

الإجراء الجهة التاريخ الأداة القانونية الوضع الحالي الأثر
استثناء من العقوبات وزارة الخارجية 23 مايو 2025 استثناء وزاري ساري مؤقتاً (180 يوماً) تعليق تطبيق العقوبات الثانوية
أمر تنفيذي لتخفيف العقوبات الرئيس 30 يونيو 2025 الأمر التنفيذي 14312 ساري مراجعة قانون قيصر دون إلغائه
مشروع قانون للإلغاء (النواب) مجلس النواب 12 يونيو 2025 H.R. 3941 تم التقديم قيد الدراسة
مشروع قانون للإلغاء (الشيوخ) مجلس الشيوخ 18 يونيو 2025 S. 2133 تم التقديم قيد الدراسة
تعديل لإلغاء القانون ضمن NDAA 2026 مجلس الشيوخ 10 أكتوبر 2025 تعديل على قانون الدفاع الوطني تمت الموافقة عليه في مجلس الشيوخ بانتظار التوفيق مع مجلس النواب

المرحلة القادمة تتمثل في التوفيق بين نسختي مجلسي النواب والشيوخ قبل التصويت النهائي وإرسال القانون للرئيس لتوقيعه. وحتى حدوث ذلك، يظل قانون قيصر قائماً.


خامساً: التقييم القانوني النهائي

1. القانون ما زال قائماً

“قانون قيصر” لا يزال جزءاً من التشريعات الفدرالية الأميركية ولم يُلغَ بعد. ما حصل هو تعليق إداري مؤقت لتطبيق بعض بنوده، وليس إلغاءً قانونياً.

2. التنفيذ الإداري قابل للتراجع

الإعفاءات والأوامر التنفيذية قابلة للإلغاء من أي إدارة لاحقة، مما يعني أن إعادة تفعيل العقوبات واردة في أي وقت.

3. المسار التشريعي مستمر

إلغاء القانون نهائياً يتوقف على تمرير قانون الدفاع الوطني (NDAA 2026) أو إصدار قانون جديد صريح من الكونغرس، وهو ما لم يحدث بعد.


خلاصة

حتى تاريخه، “قانون قيصر” لا يزال سارياً قانونياً في الولايات المتحدة، وإن كان مجمّداً عملياً بقرارات تنفيذية مؤقتة.
الخطوات المتخذة حتى الآن تعبّر عن تغيير في السياسة الأميركية تجاه سوريا أكثر مما تعبّر عن تغيير في القانون نفسه.
ولا يمكن الحديث عن إلغاء نهائي قبل استكمال المسار التشريعي الكامل في الكونغرس وتوقيع الرئيس على القانون الجديد.

Read Previous

درعا يوم دام يشهد سلسلة اغتيالات واشتباكات عشائرية متصاعدة

Most Popular