سوريا الجديدة بعد 8 ديسمبر 2024 أحمد الشرع بين الدبلوماسية والرمزية الإنسانية

 

اسامه الكومة _  سيريا مونيتور

​شهدت سوريا تحولًا كبيرًا في أسلوب الحكم بعد سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر 2024، حيث بدأت البلاد مرحلة جديدة من إعادة البناء السياسي والدبلوماسي. هذه المرحلة لا تقتصر على تغيير الوجوه القيادية، بل تشمل إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع الدولي، مع التركيز على استعادة الثقة مع الدول الكبرى والدول التي شهدت توترًا في الماضي مع النظام السابق. الرئيس أحمد الشرع أصبح يمثل وجه القيادة الجديدة التي تسعى إلى سياسة أكثر مرونة وانفتاحًا، مدمجة بالبعد الإنساني والدبلوماسي.
​من أبرز مظاهر هذه السياسة الجديدة، النشاطات الرمزية التي يقوم بها الرئيس الشرع، مثل ممارسته كرة السلة مع وزيرة الخارجية أسعد الشيباني والجنود الأمريكيين خلال زيارة واشنطن الأخيرة. هذه اللحظات لا تُقرأ فقط على أنها نشاط رياضي، بل تحمل معاني سياسية واضحة. كرة السلة ترمز إلى العمل الجماعي وروح الفريق، وهو ما يعكس توجه القيادة نحو التعاون والشراكة بدل الانفراد بالقرار. مشاركة الرئيس في اللعب مع جنود أجانب تظهر أيضًا رغبة في كسر الحواجز الرسمية وإرسال رسالة بأن سوريا الجديدة على استعداد للحوار المباشر، بعيدًا عن الرمزية التقليدية للسلطة التي كانت سائدة في الماضي.
​الزيارة تضمنت أيضًا لقاءً رسميًا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وهو لقاء يحمل الكثير من الدلالات الرمزية. وتحليلًا للصورة المرفقة التي يظهر فيها ترامب جالسًا خلف مكتبه الرئاسي بينما يقف الشرع، يمكن الخروج بقراءتين متكاملتين؛ الأولى بروتوكولية، حيث يجلس المضيف (ترامب) في موقع القوة والسلطة على ‘أرضه’ خلف المكتب الرئاسي الشهير. لكن القراءة الثانية، وهي الأعمق، تكمن في لغة جسد الشرع؛ فهو لا يقف بشكل سلبي أو كمتلقٍ، بل يميل بجسده إلى الأمام واضعًا يديه على المكتب. هذه الحركة تكسر الحاجز المادي (المكتب) وترمز إلى دبلوماسية نشطة وغير تقليدية، تُظهر قائدًا واثقًا جاء ليطرح رؤيته بشكل مباشر وحيوي، موازنًا بذكاء بين احترام المقام الرئاسي وإظهار الندية والمرونة. هذا اللقاء يمثل خطوة عملية لإعادة سوريا إلى المشهد الدولي وإعادة بناء الثقة مع الولايات المتحدة، بعد سنوات من الخلافات والتوترات مع النظام السابق، ويعكس رغبة القيادة الجديدة في إدارة السياسة الخارجية بعقلانية وموضوعية بعيدًا عن الانفعالات أو المواقف المتشددة.
​زيارات الشرع لم تتوقف عند الولايات المتحدة، بل شملت موسكو ودولًا أخرى، في إطار استراتيجية واضحة لإعادة بناء علاقات سوريا الدولية. العلاقات مع روسيا تركز على تعزيز التحالفات الاستراتيجية والحفاظ على مصالح دمشق في الملفات الإقليمية الحيوية، بينما الزيارات إلى الدول الغربية تهدف إلى فتح قنوات التعاون والتفاهم والتخفيف من التوترات السابقة. النشاطات غير الرسمية، مثل اللقاءات مع المسؤولين والأطراف الأجنبية خارج القاعات الرسمية، تمثل جانبًا من هذه السياسة، وتساعد على بناء صورة قيادة إنسانية ومرنة وقادرة على الحوار، وهو ما لم يكن شائعًا في النظام السابق.
​الرمزية السياسية للنشاطات الرياضية وغير الرسمية تحمل رسائل واضحة: كرة السلة تمثل التعاون والانفتاح والعمل المشترك، بينما اللقاءات المباشرة تعكس بناء الثقة والتواصل الإنساني مع الآخرين. هذه الرموز تعطي القارئ فهمًا بأن القيادة الجديدة ليست مجرد واجهة رسمية، بل تمثل أسلوبًا عمليًا في إدارة السياسة والعلاقات الدولية، قائم على الحوار والتفاهم المتبادل.
​رغم هذه الإشارات الإيجابية، تبقى التحديات كبيرة وواقعية. ويرى بعض المراقبين المتشككين أن هذه الرمزية، على أهميتها، قد لا تتجاوز كونها “علاقات عامة” ناجحة أو “شهر عسل” دبلوماسي، ما لم تُتبع بخطوات ملموسة وسريعة على الأرض. فالاقتصاد السوري بحاجة لإعادة إعمار البنية التحتية المتضررة، والمصالحة الوطنية ضرورية لمعالجة الانقسامات الطويلة بين السوريين. كما أن تحويل هذه الدبلوماسية الرمزية إلى خطوات عملية ملموسة في السياسة الخارجية يحتاج إلى التزام واستراتيجية واضحة ومستمرة.
​زيارة واشنطن، اللقاء مع ترامب، النشاط الرياضي مع الجنود، والزيارات المستمرة إلى موسكو ودول أخرى، كلها عناصر تشكل إطارًا متكاملًا لإعادة سوريا إلى الساحة الدولية بصورة جديدة. الرئيس أحمد الشرع يظهر كقائد إنساني، مرن، وواعٍ للتحديات، يسعى إلى بناء علاقات متوازنة مع كل الأطراف الدولية، خصوصًا مع الدول التي كانت متوترة مع النظام السابق، مع الحفاظ على مصالح سوريا الوطنية واستعادة دورها المؤثر على الساحة الإقليمية والدولية.
​اليوم، سوريا ليست مجرد دولة تحاول إدارة الملفات الداخلية، بل تعمل على إعادة تعريف مكانتها الدولية، حيث يُترجم البعد الرمزي للقيادة إلى دبلوماسية واقعية وفعّالة، قائمة على التعاون والاحترام المتبادل. هذا التحول الجديد يمثل فرصة حقيقية للسوريين والدول المجاورة والمجتمع الدولي لفهم السياسة الجديدة التي تقودها القيادة السورية، والتي تضع الإنسان والتعاون الدولي في قلب العملية السياسية.

Read Previous

الاحتلال الإسرائيلي يقيم نقطة تفتيش في الصمدانية بالقنيطرة

Read Next

استنفار على الشريط الحدودي الجيش الإسرائيلي يوسع أعمال التجريف في القنيطرة

Most Popular